«الظاهرة الصينية».. حديث المغاربة في كل مكان

التجار الصينيون اختاروا «درب عمر» أمعاء المغرب التجارية.. وتعلموا العربية في زمن قياسي

«علي» الصيني جاء إلى المغرب منذ خمس سنوات، للعمل مع أحد التجار الصينيين («الشرق الأوسط»)
TT

تحولت تجارة الصينيين في المغرب إلى ظاهرة.. ليس ذلك فحسب بل أضحت حديث الناس في كل مكان. الجميع يتحدث عن أساليب وبراعة «الشينوا» كما يطلق عليهم المغاربة، وهي براعة تثير فضول الكثيرين. أهم ما يميز تجربة الصينيين التجارية في المغرب هي أنها استطاعت وفي ظرف وجيز وبفضل حنكة ونباهة تجارها الوافدين من «القارة الصفراء»، خاصة خلال العقد الأخير، أن تحقق ازدهارا واسعا وسريعا، ونجاحا باهرا لم تستطع العقبات القانونية ولا الصعوبات الجمركية أن تحد منه أو من طموحاتهم، وتعلموا العربية والعامية المغربية في زمن قياسي.

يوجد الصينيون بكثرة في أكبر منطقة تجارية تقليدية في الدار البيضاء، وهي منطقة تشكل «الأمعاء» التجارية لهذه المدينة التي تعد مركز الحركة التجارية والاقتصادية في البلاد.. إذ منذ البداية اختار الصينيون «درب عمر»، حيث توجد محلات تجارية تبيع البضائع بالجملة لتجار المفرق (تجارة التجزئة) في جميع أنحاء المغرب.

ولم يأبه التجار الصينيون أو يكترثوا لهذه المغامرة، ولا للمنافسة من التجار المغاربة. هناك من يقول إنهم أجروا دراسة ميدانية للسوق المغربية في أواخر التسعينات، وآخرون يرون أن مشروعهم التجاري له جوانب خفية لا تظهر الآن، ذلك أن الهاجس الأكبر بالنسبة لهم لا يعتمد على الربح المادي بقدر ما يرمي إلى تأسيس نظام تجاري اقتصادي يكون بمثابة نموذج جديد.

يبدي عدد من تجار الجملة في الدار البيضاء، الذين يحتكون يوميا بالصينيين ويتعاملون معهم تجاريا، إعجابهم بهؤلاء الوافدين. ويعتقدون أنهم يتصفون بالبراعة والذكاء، في التكيف مع أحوال السوق، وذلك لأنهم لم يوجهوا اهتمامهم بالاعتماد على فرض جانب من ثقافتهم أو لغتهم كما فعل الفرنسيون على سبيل المثال، فكانت النتائج سلبية، بل وجهوا اهتمامهم للنشاط التجاري ولا شيء عدا التجارة، كما أنهم فطنوا لشيء أهم يتمثل في إغراقهم السوق المغربية بالبضائع والسلع التي تتناسب مع القدرة الشرائية للمغاربة، خاصة الشرائح التي لا يتعدى معدل دخلهم في اليوم خمسة دولارات في اليوم، لكنهم لم يقفوا عند هذا الحد بل عكفوا على تعلم اللغة العربية والعامية المغربية وإتقانها بشكل جيد، حتى يتسنى لهم التواصل مع زبائنهم أفضل مما كانوا عليه أول الأمر، والمفارقة أنهم تعلموا العربية من خلال الاحتكاك فقط دون مدرسة أو كتاب.

«أووسافوا»، ويناديه المغاربة «علي»، هو شاب صيني يبلغ من العمر 35 سنة، جاء إلى المغرب منذ خمس سنوات، للعمل مع أحد التجار الصينيين.. قال لنا «أنا مرتاح جدا هنا في هذا المكان، لم أجد صعوبة في التأقلم مع الزبائن أو العاملين في المتجرة من المغاربة، وأصبحت أتحدث العربية بشكل أفضل مما كان عليه أول الأمر، وأحوالي التجارية على ما يرام».

وأشار إلى أن السنة الماضية عرفت ركودا تجاريا بعض الشيء والسبب في ذلك لا يعود للأزمة المالية التي يعرفها العالم، بل مرده إلى عدم انضباط بعض الزبائن في تسديد الديون المترتبة عليهم، إذ بعضهم لا يقدم مقابل ما اقتنى من شيكات ضمانات نظرا لكثرة تعامله معهم إذ يتعاملون معهم منذ سنوات، وهذه هي المشكلة الوحيدة التي يعانيها التجار الصينيون حاليا، أي مشكلة الديون المتراكمة على زبائنهم الذين يقتنون السلعة مع وعد بتسديد قيمتها لاحقا.

يقول محمد، وهو عامل في متجر تجار صينيين، إنه يعمل معهم منذ سبع سنوات، حيث تنقل بين أكثر من محل وبدون مشاكل. وهو يعتقد أن العمل مع الصينيين مريح ولا توجد أدنى عراقيل أو صعوبات، مثل تلك التي يواجهها في المحلات التجارية الأخرى، على الرغم من أن الراتب الأسبوعي الذي يحصل عليه من عند التاجر الصيني لا يزيد على 35 دولارا في الأسبوع. وحول طبيعة العلاقة التي تجمع المغاربة بالتجار الصينيين، يقول محمد إنها لم تقف عند نطاق العمل بل تتجاوزه، إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يجتمعون على مائدة واحدة في بعض الأحيان والمناسبات.. وأصبح كل جانب يتذوق مأكولات الجانب الآخر.

ويشتري الباعة المتجولون الذين يرابطون أمام المجمع التجاري الصيني في «درب عمر» سلعا بالجملة من التجار الصينيين ثم يبيعونها دون أن يثير ذلك استياءهم، وهو ما يبرهن على مدى الذكاء التجاري الذي يتمتع به الصينيون.. يقول أحد تجار «درب عمر» إن «الصينيين يتميزون بحسن التخطيط ودقة التدبير والصبر، إنهم يعملون مثل النمل، بهدوء لكن بنشاط مستمر».