الحكواتي أحمد يرتجل بيديه وعينيه حكايات من التراث العربي

«الشاطر حسن» و«نص نصيص» و«أبو العبد البيروتي» أشهرها

أحمد طي.. يروي حكاياته أمام مستمعيه («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر «الحكواتي» أحمد طي من أشهر ممارسي هذه المهنة في لبنان، إذ فاقت الحكايات التي رواها حتى اليوم «عدد شعر رأسه»، كما يقول. ولأنه صحافي فهو «حكوجي» من الطراز الأول كون مهنة البحث عن المتاعب تحتاج أيضا إلى من يجيد الحكي أو الكلام، كما أشار في حديثه لـ«الشرق الأوسط».

أحمد، الذي اختار مهنة «الحكواتي» مسرحا يمارس من خلاله هوايته المفضلة، ألا وهي رواية القصص في الأماكن العامة، بدأ مشواره معها عام 2007. عندما كان يتردد على بعض المكتبات العامة في لبنان. ومن هناك استولى على أحمد حب الرواية الذي رافقه منذ صغره أيام كان يستمع بشغف إلى القصص التي يرويها له أهله، فيسرح بخياله معها.. فيعيشها وكأنها حقيقية.

يقول أحمد، الذي لبى حتى اليوم مئات الدعوات إلى مدارس ومهرجانات وحفلات ومعارض كتب ليمارس هذه المهنة، إن صاحبها «يجب أن يتمتع بموهبة الحكي، وأن يعرف الارتجال والتحدث بعينيه ويديه حتى لا يمل المستمع إليه من نبرة صوت ذات إيقاع واحد». ثم يوضح «عندما أشعر أن المستمع بدأ يتململ أو يشرد.. فإنني ألجأ إلى ارتجال موقف يعيده إلى ملعبي.. وعادة ما يكون زاخرا بالحركة والمغامرة».

أما أصعب المستمعين الذين يتوجه لهم، كما يقول، فهم المراهقون «الذين يعتبرون هذا النوع من القصص قليل الأهمية»، ولذا يستعمل جميع أدواته الشخصية المتمثلة بمجريات القصة وفي الحركة السريعة وابتكار المواقف المفاجئة فيها. وفي هذا الصدد استخدم أحمد في أحد لقاءاته مع أطفال في المغرب عبارات ملونة بالعربية والفرنسية والإنجليزية ليشعروا بقربها من لغتهم اليومية، واستحدث موقفا في قصة تدور بين الشجرة والأرنب عندما قال هذا الأخير لها: «هاي! كيفك؟ سافا؟» فجاء رد فعلهم عفويا عندما ضحك الأطفال تعاطفا مع الأرنب.

ويتابع أحمد: «هناك بالطبع قصص تروى للنساء خاصة، كالتي تتحدث عن (أبو كاترينا) وهي شخصية لبنانية معروفة في منطقة بعلبك البقاعية وتروي مغامرات رجل كسول (قليل المروءة - حسب التعبير اللبناني) وأخرى خاصة بالرجال كقصص (ألف ليلة وليلة) الشهيرة، إضافة إلى حكايات تراثية تحكى للأولاد وذات مغزى مثل (كليلة ودمنة)...».

أما أشهر الحكايات التي يرويها أحمد فهي تتعلق بشخصيات معروفة في لبنان والعالم العربي كـ«الشاطر حسن»، المعروف ببطولاته ومغامراته الشيقة، و«نص نصيص» وتعود لشخصية شهيرة في فلسطين وتروي قصة نصف ولد اعتبر من أذكى الأولاد وأكثرهم فطنة، و«أبو العبد البيروتي» صاحب أطرف الأخبار المبالغ فيها.

ويشير أحمد طي إلى أن من أهم سمات «الحكواتي» أن «يكون قارئا نهما يملك ذاكرة واسعة ويجيد التواصل مع الآخر من خلال عينيه وأحاسيسه وذا نفس طويل يترجم بالصبر أو القدرة الكبيرة على الكلام المتواصل».

هذا، ولا بد من الإشارة إلى مهنة «الحكواتي»، التي باتت رائجة في الآونة الأخيرة بين الشباب اللبناني بعدما كانت تقتصر على حكواتيين من الجيل القديم، شهدت «عصرنة» تمثلت في الأسلوب الذي تقدم فيه، خصوصا أن العنصر الشبابي صار يعد من ضمن أركانها الجديدة، كما أنها صارت تستعمل لإعادة الجيل الجديد إلى الكتاب بعدما تهدد بالاندثار وأخذ يغيب عن مكتباتهم ويومياتهم.

أما الوقت الذي تستغرقه رواية الحكاية فلا يحدد بمدة معينة، كما يقول أحمد، لأن الحكاية قد تتطلب أحيانا إطالة أو تقصيرا في ديباجة يختارها «الحكواتي» بنفسه ويستنبطها من الحضور الذي يتابعه.

ومن المناسبات التي تستخدم «الحكواتي» البرامج المعدة لعيد ميلاد أو حفلة خطوبة أو زواج، وعندها تلون الحكاية من وحي المناسبة، وهو ما كسر العادات التقليدية التي تقام فيها.

من ناحية ثانية، يرى أحمد طي أن «الحكواتيين» الأصيلين «كانوا في الماضي من أهل البيت كالجد والجدة. وبعدها زاول المهنة أشخاص مخضرمون عايشوا أحداثا وأزمنة مختلفة. ونحن علينا أن نحافظ على هؤلاء لأنهم بمثابة تاريخ مدون في أفكار شخصيات نعرفها». ويضيف «أما أشهر الحكواتيين من الزمن الجميل فهم جهاد درويش وبول مطر وجومانا بحلق. ومن الجيل الجديد هناك أسماء كثيرة بينها سارة قصير وحسام العابد ومريم بلحص».

هذا، ويعتبر «مهرجان الحكاية» الذي ينظم سنويا في شهر مارس (آذار) بشارع مونو، شرق وسط بيروت، من أكبر وأوسع النشاطات التي تتناول موضوع «الحكواتي»، والتي تتيح أمام عدد من الشباب اللبناني فرصة تقديم مهاراتهم في هذا المجال.

وأخيرا، لا ينسى «الحكواتي» أحمد طي إرفاق شخصيته «الحكواتية» باللباس الذي يناسبها، فيعمل على تغيير «اللوك» الذي يظهر فيه بين وقت وآخر- أو بين موسم وثان، كأن يرتدي الزي الفولكلوري اللبناني المؤلف من السروال والطربوش، أو الأفريقي المطرز بألوان ورسوم أفريقية معروفة لها دلالة مباشرة بهذا البلد أو ذاك. وأما الأسعار التي يتقاضاها «الحكواتي» فلا يمكن حصرها بمبلغ معين، لأنها أحيانا تقام مجانا لمؤسسات خيرية، وأحيانا أخرى ترتبط ارتباطا مباشرا بالجهة المنظمة للحدث.. فتختلف حسب مستواها المادي والاجتماعي.