الصبي الكفيف علي عزايم.. صائد مواهب في حي مصر القديمة

يعزف الموسيقى ويكتب على الكومبيوتر ويركب الدراجة ويطهو الطعام

علي عزايم أمام الكومبيوتر («الشرق الأوسط»)
TT

حين تسأل عنه في حي مصر القديمة العريق، وتحديدا في منطقة «إسطبل عنتر»، ستجد «ألف من يدلك»، فقد فاقت شهرته مشاهير المنطقة من الأطباء ورجال الأعمال ونواب البرلمان، ولا تندهش حين يصفه أحد أبناء الحي بـ«علي العبقري» أو «الطفل المعجزة» أو «قاهر الظلام»، أو «موسيقار الإسطبل»، وغيرها من الصفات، التي دخلت في أعراف الحي من باب المحبة والدهشة معا.

فلم يكن يتوقع أحد من أهل الطفل علي عزايم أو المحيطين به أنه سيأتي اليوم الذي يكون فيه ابنهم الكفيف ابن الـ15 ربيعا من العمر حديث الناس في الحي، نظرا لتعدد مواهبه من ركوب الدراجات واستعمال الكومبيوتر وصيانته، إلى العزف على الآلات الموسيقية وإرسال الرسائل للآخرين، بخلاف الموهبة الكبرى، وهي حفظه للقرآن الكريم كاملا وهو في سن صغيرة.

تبدأ حكاية علي عزايم وفقا لروايته لـ«الشرق الأوسط» قبل 15 سنة، حيث ولد كفيفا بسبب مرض في أعصاب عينيه أدى إلى موتها وفقدانه النظر ولم تفلح جهود أطباء الوحدة الصحية المجاورة لمسكنه في علاجه، ولم تكن الأمور المادية لوالده - الذي كان يعمل سائقا قبل مرضه بالسرطان - ميسورة بحيث تجعله قادرا على الذهاب بابنه إلى أحد الأطباء الكبار، فالطفل الموهوب له خمس أخوات كلهن تعلمن تعليما جيدا بين التعليم الجامعي وفوق المتوسط، والأب بعد إصابته بالسرطان والذي لا يزال يعالج منه، قل الدخل المادي للأسرة وأصبح ضعيفا وهو ما جعل الابن علي مصمما على أن يصبح شيئا مهما في المجتمع، وكان يضع عميد الأدب العربي طه حسين والموسيقار عمار الشريعي - وكلاهما كفيف - دائما في مخيلته، يتمنى أن يحذو حذوهما وينال قدرا من النجاح والشهرة التي حققها كلاهما.

سألت «الشرق الأوسط» علي ماذا فعلت لكي تحقق هدفك فقال: «أنا والحمد لله متفوق في دراستي وعندي خطة أنفذها حرفا حرفا حتى أصل إلى ما أتمناه، وهو أن أصبح موسيقارا كبيرا مثل عمار الشريعي». وعند سؤاله: «هل تعرف شيئا عن الموسيقى»، فأجاب: «طبعا أعرف.. أنا أجيد العزف على الأورغ والدرامز والأكورديون واللعب بالطبلة والمزمار، كما أنني عاشق لألحان أغاني عبد الحليم حافظ وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، والأخير أحب له موسيقى (النهر الخالد)، وهي التي كانت سببا في تشكيل وجداني الموسيقي من تكرار سماعها، وقد ذاعت شهرتي في الحفلات ومسابقات الموسيقى بالمدرسة وإدارة مصر القديمة التعليمية وأتمنى مقابلة الموسيقار عمار الشريعي لكي أتعلم منه وأصبح خليفته في التلحين».

لم يخجل علي عزايم من إظهار طموحه التعليمي فهو يجيد الحديث بالإنجليزية ويحب سماع المحادثة بها، ويستعين من أجل ذلك بالقاموس الناطق لفهم ما يغمض عليه، ويتمنى أن يدخل الجامعة ويدرس اللغة الإنجليزية ويصبح مترجما له شأن كبير، ويروي أنه تلقى العديد من العروض لإعطاء دروس للمكفوفين بطريقة «برايل» التي يجيدها تماما.

ويتمتع علي عزايم بمجموعة من النوادر والمواهب التي تسببت في شهرته، تحكيها شقيقته الكبرى التي لعبت دورا كبيرا في حياته، فتقول: «البداية كانت قراءته للقرآن في المقابر وهو في سن السابعة، فقد كان صوته جميلا يجذب الناس، ثم إصراره على ركوبه العجلة (الدراجة) في الشارع متأثرا بشخصية الشيخ حسني الكفيف في فيلم (الكيت كات)، وحدث له ما حدث للنجم محمود عبد العزيز وهو يقود الموتوسيكل في الفيلم، فقد دخل علي في أحد المحال وأصيب بجرح كبير في رأسه ترك أثرا حتى الآن، ليس هذا فحسب، بل إجادته لاستخدام الكومبيوتر وإرسال الإيميلات للآخرين، وكذلك لعب ألعاب الكومبيوتر المختلفة وصيانته عند اللزوم».. وهنا نهض علي إلى جهاز الكومبيوتر الخاص به، وقام بالفعل بإرسال عدد من الرسائل لأصدقائه.. تكمل شقيقته: «علي أيضا يستخدم الموبايل (الجوال) بطلاقة ويرسل الرسائل للآخرين ويقوم بتغيير الأوبشن المختلفة في جهاز المحمول بطريقة سريعة، ليس هذا فحسب، بل ينزل لشراء لبسه بنفسه ويختاره (على مزاجه) وينزل أيضا إلى (شارع عبد العزيز) لشراء إكسسوارات لهاتفه الجوال وإدخال نغمات جديدة عليه، كما أن حاستي الشم والسمع عنده قوية جدا، ويحب أن يدخل المطبخ ويطهو الطعام بنفسه».

بعد هذا كله يضيف عزايم قائلا: «أنا أحب تربية الكلاب، فالكلب وفيّ ومخلص لصاحبه، وفي كثير من الأحيان يكون بمثابة صديق، وأنا أرفض استعمال عصا التوجيه والحذر للمكفوفين وهم يسيرون في الشارع»، وفي النهاية رفض علي كلمة «كفيف»، وقال وهو يبتسم «كلنا زي بعض، ولا بد للناس أن تعاملنا على هذا الأساس، ويجب أن يأخذ المكفوفون وبقية المعاقين فرصهم في المجتمع في الحقوق والواجبات أسوة بالفرد السليم».