متجر «الحاج صبحي» في حي الحسين بالقاهرة.. مرآة لكل العصور

يرفع شعار «من فات قديمه تاه».. ويضم تحفا وصورا وعملات نادرة

من معروضات متجر الحاج صبحي («الشرق الأوسط»)
TT

«محل تحف وأنتيكات.. من زمن فات».. لم يكن هذا السجع في اللافتة وليد الصدفة، وإنما هو علامة تميز تعبر عن مزاج الحاج صبحي، ومتجره الكائن في شارع الحاكم بأمر الله في منطقة الحسين، أحد أحياء القاهرة الفاطمية الشهيرة. وهو أحد المتاجر التي تبيع التحف والأنتيكات (العاديات) القديمة التي يعود تاريخها إلى عهد الدولة الفاطمية والعهد الملكي في مصر، وهي تلقى إقبالا ورواجا من محبي التحف من المصريين والعرب والأجانب.

منذ الوهلة الأولى عند دخول المتجر الصغير، الذي لا يتجاوز طوله الـ4 أمتار وعرضه نحو 3 أمتار، يستنشق الزائر عبق التاريخ المصري. ويشعر وكأن الزمن قد عاد به لأكثر من 70 سنة. فيمينا ويسارا علقت الصور الضخمة باللونين الأبيض والأسود لعدد من ملوك مصر ورؤسائها وشخصياتها الكبرى، مثل الملك فاروق (1936 - 1952) وزوجته الملكة فريدة، ومحمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وهي صور حقيقية ملتقطة لهؤلاء.

ويسترعي انتباه الزائر أيضا إقبال الناس لرؤية التحف التي تناثرت على مناضد خشبية قديمة بطريقة تجذب انتباه المار أمام المتجر، فلا يتمالك إلا أن يقف وينظر إلى النياشين والأنواط الملكية الفضية والذهبية التي كان يعلقها الملوك على ستراتهم، بالإضافة إلى العملات المعدنية التي تعود إلى العصر العثماني وغيرها. كذلك يجذب الانتباه وجود الكاميرات الخشبية القديمة الضخمة ذات الستائر السوداء التي كان يختبئ المصور خلفها لالتقاط الصور، والراديوهات القديمة الكبيرة التي كانت منذ أكثر من 60 سنة وسيلة المصري لسماع الأخبار وانتظار حفلات «كوكب الشرق» أم كلثوم الشهرية، و«الغراموفون» أي مشغل الأسطوانات القديمة التي كانت تبث المقطوعات الموسيقية ليرقص عليها المصريون، وخصوصا أبناء الطبقة الأرستقراطية، خلال الحفلات والمناسبات الخاصة.

عبد الله صبحي (20 سنة)، قال لنا داخل المتجر شارحا: «لقد ورث أبي عن جدي هذه المهنة، التي تطورت بعدما تولى أبي الإدارة. وكان نشاطنا في الماضي يقتصر على النقوش والزخارف النحاسية القديمة، أو صناعتها وعرضها للبيع، لكن أبي، وهو صاحب الذوق الخاص، طور المتجر وتجارته ليصبح محلا للتحف والأنتيكات». وأردف: «أبي رجل يحب كل ما هو قديم تاريخي وله قيمة حقيقية، ولهذا يحوي متجرنا مئات الأنواع من التحف والأنتيكات القديمة، ومنها ما له تاريخ عريق. ودائما تجذب معروضاتنا انتباه زوار شارع الحاكم بأمر الله ومنطقة الحسين بوجه عام».

وحول كيفية الحصول على هذه التحف قال صبحي: «نحصل عليها من المزادات، وأحيانا أخرى من ورثة هذه التحف. وبعض هؤلاء يعرف قيمتها فيبيعها لنا بأسعار باهظة، والبعض الآخر تكون بالنسبة له بمثابة مجرد قطع قديمة، ولذا يكون مستعدا لبيعها بأي سعر يعرض عليه، وهكذا يعطنها إياها ويقول لنا حددوا ثمنها».

وحول الصور الخاصة بالملوك والرؤساء، قال إن «المصالح الحكومية المصرية بعد سقوط نظام أو موت حاكم أو رئيس معين تستغني عن الصور التي تفقد قيمتها بالنسبة لها، فنقوم بشرائها منها».

ويعد موسم الصيف، لا سيما شهر يوليو (تموز)، موسم الشراء بالنسبة لمحلات التحف والأنتيكات، نظرا لإقبال السياح من مختلف دول العالم على القاهرة الإسلامية. وفي ما يتعلق بتأثير الثورة (ثورة يناير) على عملية الشراء والبيع، قال عبد الله صبحي: «بالطبع الثورة أثرت سلبا في بدايتها على عملية الشراء والبيع، ولكن بعد مرور سنة عليها عادت الحياة كما كانت وتستمر عملية الشراء بشكلها الطبيعي».

من ناحية أخرى، أوضع صبحي أن النياشين والأنواط والأوسمة الملكية الفضية والذهبية تعد الأغلى سعرا والأرقى قيمة بين التحف والأنتيكات المعروضة، إذ يبدأ ثمنها من 2000 دولار أميركي، إلا أنه أوضح أن «قيمة التحفة ليست في حجمها.. فالكثير من التحف ضخمة الحجم، لكنها غير ذات قيمة. بل إن قيمة الشيء في المواد المصنوع منها مثل الذهب والفضة والطريقة التي صمم أو نفذ بها، أو كون الشيء فريدا، مما يجعل له سعره الخاص».

يصل سعر «الغراموفون» (مشغل الأسطوانات) في متجر الحاج صبحي، إلى نحو 5000 جنيه مصري، أما الحد الأدنى لثمن الراديوهات الضخمة التي يعود تاريخها لأكثر من 90 سنة فيبلغ 250 دولارا، في حين يتراوح سعر الهاتف القديم (التليفون الهرم) وهو أول أنواع الهواتف التي صنعت في العالم بين 50 دولارا و100 دولار، و«التليفون العمدة» 100 دولار، ويبلغ ثمن صورة الملك فاروق التي التقطت له أو رسمت رسما نحو 200 دولار.

وللعلم، يضم المتجر أيضا عملات ورقية تعود إلى عهد الملك فاروق، وعلب صاج أم كلثوم التي تحمل صورها والتي كانت توضع فيها الحلوى والسكاكر (البونبون) وقت حفلاتها وتقدم للحضور، وعلب بونبون ملونة ومزركشة ومزخرفة برسوم طبيعية وآدمية يعود تاريخها لأكثر من 85 سنة، كما يوجد فوانيس نجمية الشكل ذات زخارف إسلامية تعود للعصر الفاطمي، ولعب أطفال معدنية مختلفة تعود لأكثر من 90 سنة. وعلق في سقف المتجر ميزان سلاسل (قبان) كان يستخدم لوزن الأشياء الثقيلة ويعود تاريخه إلى 90 سنة، وماكينة مثلجات (آيس كريم) خشبية قديمة تعود لأكثر من 80 سنة، ومطاحن بن وسكر نحاسية وخشبية.

وفي جنبات المتجر الصغير وخباياه ولاعات قديمة أجنبية الصنع، وعلب سجائر، ولمبات غاز ونحاس، وصوان منقوشة بالخزف ومادة المينا، وأجزاء من مشربيات قديمة مصنوعة بالأرابيسك، وكاميرات خشبية، وساعات يد وساعات حائط وساعات مكتب ومنبهات تعود لزمن الملك فاروق. أما بالنسبة للعملات الذهبية والورقية، فيوجد عملات منذ عهد السلطان حسين كامل، ملك مصر والسودان منذ عام 1914 حتى 1917، وعملة كتب عليها «ضرب في مصر 1277» تعود للعصر العثماني، بالإضافة إلى بعض العمليات الفضية.

وعن زبائن المتجر، قال صبحي: «بعض الإعلاميين والممثلين والسفراء ومحبي جمع التحف هم أبرز من يقبلون طوال العام على متجرنا، ولكن معظم من يأتي إلينا من الهواة، وبجانب هؤلاء تجار من مدن أخرى يأتون لشراء بعض المعروضات ثم المتاجرة فيها»، مشيرا إلى أن تجاره التحف والأنتيكات تجارة مربحة.

أحد هؤلاء، محيي سعد، جاء من بورسعيد لشراء راديو قديم، وقال لنا: «أهوى جمع التحف القديمة فهي تشعرني براحة داخلية. الأشياء القديمة غالبا ما يكون فيها لمسه فنية لا يستطيع أحد تكرارها على الرغم من تطور الصناعات في الوقت الحالي، وكذلك أقوم بالمتاجرة في الأنتيكات حسب الطلب».