لعبة «الدومينو».. مزاج خاص في المقاهي المصرية

مفرداتها تقاطعت مع هموم السياسة وأوضاع البلاد

مباراة دومينو حامية في مقهى من المقاهي القاهرية («الشرق الأوسط»)
TT

«قَفلِت يا معلم».. قالها «الأسطى» جمال وهو يخبط قطعة «الدومينو» على خشبة منضدة المقهى، معلنا بنشوة كمن أخذ ثأره حالا. فلقد أنهى «عَشرة الدومينو» منتصرا على غريمه المدرس في المرحلة الابتدائية «الأستاذ» إبراهيم (45 سنة)، لكنهما لم ينتبها، ولا أي ممن كانوا يجلسون إلى جوارهما في المقهى، لصراخ مقدم البرنامج الشهير على الفضائية الشهيرة، معلقا على أحداث محيط وزارة الداخلية الأخيرة.

قول «الأسطى» جمال، الذي يعمل مبيض محارة ويبلغ من العمر 47 سنة، «قَفلِت» لم يخلُ من تلسين سياسي، إذ فسر كلمة «قفلت» بأن «عشرة الدومينو» أصبحت من الجهتين الرقم نفسه، «يعني لازم نلعب من جديد، بعدما نرى من معه نقاط أكثر تحسب عليه، ويظهر أنني هاشيل الدور..!». ضحكة مدوية انطلقت من جمال، وارتشف جرعات من كوب الشاي الذي بيده.

وعن سبب جلوسه في المقهى، أضاف: «انت ما سمعتش الأخبار على الفضائيات بمحاصرة المتظاهرين وزارة الداخلية؟ مصر دلوقت زي الدومينو اللي قفلت.. دلوقت عايزه تتهد وتتبني من جديد.. الترقيع مش نافع. الثورة اللي بيقولوا عليها دي ما كِملتش.. هي فعلا قفلت، والله قفلت، ولا إيه رأيك يا أستاذ إبراهيم؟».

وهنا تكلم إبراهيم منافسه اللدود في مباراتهما، الذي يبدو أنه محبط مما آلت إليه أوضاع مصر مناديا للنادل، فرد على طريقته الخاصة: «شاي.. أيوه جاي.. واحد شاي على بوستة.. شيشة هنا.. حاضر.. فين الحِلبة يا عم؟.. ع النار من عيني.. والله الينسون بيغلي أهو.. ضَمّنْت».

هكذا تعالت أصوات المقهى وتقاطعت، مما ساعد «الأستاذ» إبراهيم على العودة مرة أخرى للدومينو.. قائلا: «أنا مدرس ابتدائي، وحينما أنهي يومي وبعد العشاء مباشرة آتي إلى هنا لكي ألعب مع الأسطى جمال الدومينو.. إنها نوع من التسلية، فيها كثير من الحظ لكن ليس كحظ أصحاب الفضائيات الذين تجاهلوا شباب الثورة».

وأضاف: «ألا ترى الظروف التي يمر بها البلد؟ الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ. صراع على السلطة بين المجلس العسكري الذي لا يريد أن يترك الحكم، والإخوان المسلمين في مجلس الشعب، والسلفيين، والليبراليين، وشباب الثورة من ناحية، وموظفين لهم مطالب، وناس عايزة تأكل وتشرب وتتعالج.. وأخيرا الألتراس الأهلاوي».

وهنا قاطعه الأسطى جمال متهما غريمه بـ«الهرب» بعد انتصاره في الليلة السابقة، مصرا على أنه ينوي الأخذ بالثأر هذه الليلة، غامزا من طرف بعض القوى السياسية المتشددة التي قد تفكر في منع أي نوع من أنواع التسلية والترفيه، ومتابعا: «قبل ما يمنعوا الدومينو كمان، دي تبقى مصيبة.. دي مزاج المصريين زي ما بيقولوا، عارف لو حد قرّب منها أنا بيتهيأ لي الناس هتعمل ثورة عشانها، أهو ده اللي ناقص! وبعدين إحنا ما بنلعبش كوتشينة لا سمح الله ولا قمار».

هذا الكلام استوجب تدخل عصام (33 سنة)، الموظف في وزارة الري، معلقا بسخرية على التنافس والثارات المتبادلة بين جليسيه اللاعبين. وبعده اقترب محمد أبو سنة (29 سنة)، عامل المقهى، الذي قال لنا إن الدومينو «كلها فايدة، القهوة (أي المقهى) لا تعتمد على الزبون الطياري (العابر)»، بل معظم الزبائن يأتون بصورة دورية، منهم من يأتي يوميا وبعضهم من يأتي يومين في الأسبوع. وأردف: «الكل بيعملوا فِرَق مع بعض، يعني كل اتنين بيلعبوا سوا، حسب الظروف، وزي ما انت شايف القهوة (المقهى) لا يجلس عليها إلا الزباين دي، والقليل من يأتي ليطلب حاجة على الطاير ويمشي..».

يذكر أن قطع لعبة الدومينو، وعددها 28 قطعة، كانت تصنع في بادئ الأمر من العاج أو عظام الحيوانات، وجاء الاسم من تقارب الشكل مع شكل أحد الأقنعة القديمة الملونة بالنقاط البيضاء والسوداء. أما مصطلح «الدومينو» فهو لاتيني الأصل، ويعني «السيد» أو «اللورد». وفيها يتنافس لاعبان في الطريقة العادية، بعدما يوزع على كل منهما 7 قطع مستطيلة، كل قطعة مقسمة إلى جزأين، على كل جزء منهما عدد من النقاط أقصاها 6، وتوضع القطع الباقية على الأرض، ويسمى «السَحْب».

وفي بداية اللعبة ينظر كل لاعب إلى القطع التي لديه، وخصوصا تلك التي تحتوي على الرقم نفسه في الجهتين، واللاعب صاحب القطعة الأكبر من حيث العدد يفتتح اللعب. وبعد ذلك يحاول كل لاعب إنزال كل القطع التي لديه قبل الآخر، كما يحاول جعل الآخر يسحب أكبر عدد ممكن من القطع الموجودة على الأرض في السحب.

واليوم، في مصر، لا يقتصر لعب الدومينو على البسطاء فقط، بل إنها جذبت قطاعا آخر من الشباب المتعلم والجامعي الذين يلعبونها بما يسمى «الطريقة الأميركاني» لا بالطريقة العادية. و«الطريقة الأميركاني» هذه تتطلب إعمال الذهن أكثر، حيث يجري اللعب على هيئة 4 أطراف، يتحول الصراع بينهم إلى مباراة طريفة في المتعة والتسلية وتمضية الوقت.