رُلى حطيط.. أول امرأة تمتهن قيادة الطائرات في لبنان

المرأة الوحيدة في بلدها التي تجاور القمر والشمس والنجوم

الكابتن رلى حطيط في قمرة القيادة («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن عملها «ذكوري» بامتياز، فإن الأنوثة تغمرها من رأسها حتى أخمص قدميها. ورُلى حطيط التي حلت الأولى أثناء دراستها مادة الرياضيات في الجامعة الأميركية ببيروت فنالت «دبوس الشرف الذهبي» من رئيس الوزراء الأسبق الراحل رفيق الحريري، تقديرا لتفوقها، استطاعت اختراق عالم الرجال عن جدارة، بعدما أصبحت أول قبطان طائرة من «الجنس اللطيف» في لبنان، وذلك في الناقلة الوطنية شركة «طيران الشرق الأوسط».

رلى روت في حديث لـ«الشرق الأوسط» كيف أن دخولها عالم الطيران جاء مصادفة عندما كانت تتخصص في مادة الرياضيات في الجامعة الأميركية، إذ دخل أحد زملائها إلى الصف يحمل إعلانا في صحيفة عن حاجة شركة «طيران الشرق الأوسط» لطيارين ذكور وإناث. وعندها تحمست زميلة لها وحثتها على التقدم معها إلى الامتحان.

غير أن زميلهما، الذي جاء بعدد الصحيفة يومذاك، علق بسخرية، أمامهما «إنها مهنة للرجال لا تستطعن أنتن النساء استيعابها». وأمام هذا الكلام قررت رلى أن تتحداه. وبالفعل، تقدمت مع زميلتها للامتحان الذي خضع له 600 طالب من أصل 2000 سبق أن تقدموا بطلبات التطبيق. وكانت النتيجة أن نجح 9 منهم، ثمانية رجال وامرأة واحدة هي رلى حطيط في حين سقط فيه زميلها في الدراسة.

وهنا تضيف رلى شارحة «لقد واجهت رفضا قاطعا لدخولي هذا المجال من قبل والدي، لكنني كنت قد حسمت أمري واتخذت قراري، فتركت الجامعة وانخرطت في دراسة الطيران لمدة سنتين، تأهلت بعدها للعمل كمساعد طيار»، ثم تتابع مبتسمة «جدتي ما زالت حتى اليوم لا تصدق أنني أقود طائرة، فهي تقول للجميع إنني مضيفة طيران ليس أكثر. في أي حال أنا فخورة في الواقع، لكوني استطعت أن أعطي الأمل للنساء بأن في استطاعتهن ممارسة مهنة أخرى على متن الطائرة غير مضيفة الطيران».

من ناحية أخرى، ما يلفت في رلى أنها تنتمي إلى عائلة تعمل نساؤها في مجالات صعبة، فوالدتها أستاذة لمادة الرياضيات، وأخواتها الثلاث يتوزعن على مهن القضاء والجمارك وفي الجامعة الأميركية، في حين يعمل شقيقها مثلها في مجال الطيران (قبطان طائرة).

وبموجب قوانين الطيران العالمية لا يمكن لمساعد الطيار أن يصبح قبطان الطائرة (كابتن) إلا بعد إكمال 4000 ساعة طيران، وهي حال رلى حطيط التي استطاعت تأمينها، مما خولها التدرج لرتبة «قبطان» منذ نحو سنتين. وهي تؤكد أن «هذه المهنة كغيرها من المهن، التي ما إن تمارسها حتى تعتاد على منهجها». ولذلك فهي لم تشعر يوما بأنها دخلت مجال عمل صعب أو غير مناسب لها.

وعما إذا كانت قد شعرت يوما بأنها تمارس مهنة «ذكورية» قد تنقص من أنوثتها، ردت بثقة «أبدا، ولكن في البداية كنت مضطرة لأن أمرن عضلاتي كي أستطيع قيادة طائرة (بوينغ) وهي من الطائرات الثقيلة الوزن. وكان علي أن أمتلك قوة في عضلاتي للتمكن من استعمال السلك أو الحبل الذي يخولها الاستدارة أو بدء الإقلاع أو الهبوط، وهو شبيه إلى حد ما بـ(البكرة)، ولكن ذلك انتهى مع قيادتي طائرات الـ(إير باص) التي تعمل إلكترونيا بواسطة الطيار الحديث».

وتقول رلى، التي يحملها عملها إلى التحليق على علو الـ30000 قدم، إن «العدو الأكبر لقائد الطائرة هو الطقس، وأهم ما هو مطلوب منه التمتع بالحكمة لأن عليه حل أي مشكلة تواجهه في ظرف دقائق قليلة، ولا بد أن يصدر الحل عنه شخصيا لأنه يكون وحيدا في الفضاء، ووحده المسؤول عن الطائرة». وأردفت «ولكن بمرور الأيام واكتساب الخبرة تصبح هذه المشاكل عادية كأي مشاكل أخرى نصادفها في مهن أخرى».

وحول ما إذا كانت تشعر بالخوف قبيل قيادتها الطائرة، أجابت بثقة «إطلاقا، لا أشعر بالخوف.. قد أخاف أكثر وأنا على الأرض من التعرض لحوادث عدة، أما في الجو فكل شيء مدروس ومحسوب، والوضع يكون قيد السيطرة. ولكن من دون شك فإن المسؤولية التي تقع على عاتقنا تجعلنا نشعر ببعض القلق في كل مرة نقلع أو نهبط لا أكثر».

على صعيد مختلف تماما، ذكرت رلى حطيط أنها استطاعت إحداث تغييرات بسيطة أثناء ممارستها عملها كتكلمها، مثلا، باللبنانية العامية عبر الميكروفون عند الإقلاع على الرغم من أن قانون الشركة يقضي باستعمال العربية الفصحى للترحيب بالركاب عند الإقلاع أو لإعلامهم بأجواء الطقس وحرارته وأشياء أخرى تخص البلد الذي تحط فيه الطائرة عند الهبوط. وما إذا كانت إدارة الشركة تأخذ بعين الاعتبار وضعها كسيدة فترسلها في رحلات قريبة وليست بعيدة، ردت «لا مجال لذلك، فالشركة لا تفرق بين امرأة ورجل من موظفيها، وبناء عليه، أتبع برنامج العمل الموضوع». وخلال الحديث تذكر رلى باعتزاز أن رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشال سليمان، اختارها لتكون قبطان الطائرة التي أقلته في رحلته إلى الولايات المتحدة الأميركية، وبالتحديد إلى نيويورك، العام الماضي، معتبرة أن ذلك أسعدها، وبالأخص أن تلك كانت من أطول الرحلات التي قامت بها.

ولكن ماذا عن المزايا المطلوبة في من يمارسون هذه المهنة؟

رُلى حطيط تقول «البداية مع الصحة الجيدة والقلب القوي والذكاء.. الذي حسب رأيي ضروري في أي مهنة أخرى». أما عن حياتها العائلية، فهي متزوجة من قبطان طيران زميل لها في العمل هو فادي خليل، وهما أم وأب لولدين. وهنا تقر بأن «الناحية السلبية الوحيدة للمهنة هي قلة التمتع بالاستقرار العائلي»، فهي تضطر للذهاب إلى العمل وقيادة الطائرة وهي مشغولة البال عن ابنها إذا كان مريضا من دون أن تستطيع الاطمئنان عليه وهي في الجو. ثم إنها تكون «مقطوعة تماما» عما يحصل على الأرض، ولذا تفاجأ أحيانا بأحداث سياسية أو ميدانية قد حصلت أثناء وجودها، وهذا ناهيك عن أنها تتغيب عن غالبية الواجبات الاجتماعية المطلوبة منها بسبب مهنتها التي لا تتقيد بدوام عمل منتظم ويومي.

وتتذكر رُلى حطيط المرة الوحيدة التي شهدت اعتراض أحدهم على قيادتها الطائرة، فتقول إن راكبا طلب إنزاله من الطائرة عندما علم أن امرأة ستقودها. وتمضي «لم يزعجني الأمر، فذلك يعود إلى قناعات خاصة لدى كل شخص، وأنا أحترمها»، إلى أن تقول «أجد في ممارستي مهنتي بين الغيوم والنجوم والقمر والشمس متعة لا توصف. أشعر بحالة من السكينة والهدوء فوق الوصف أثناء قيادتي الطائرة، بل مهما كنت أعاني من مشاكل على الأرض فإنني أنساها كليا في قمرة القيادة. وإذا عاد بي الزمن إلى الوراء فإنني بلا شك ولا تردد سأختار هذه المهنة دائما».

ختاما، نشير إلى أن رُلى حطيط تشغل منصب نائب الرئيس الإقليمي لمنظمة الـ(EFALPA) العالمية (منظمة نقابات الطيارين في العالم)، عن منطقة الشرق الأوسط، وهي أول امرأة في العالم تشغل هذا المركز.