خيارات الفلسطينيين الترفيهية محدودة.. لكنهم يجربون كل شيء

من النارجيلة في المقاهي إلى ملاعب كرة القدم

مطاعم و مقاهي مدينتي رام الله وبيت لحم تجذب العائلات أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد (نيويورك تايمز)
TT

يهوى الفلسطينيون في الضفة الغربية تجريب كل شيء بعد سنوات من «تربية الأمل» في ظل انتفاضتين. وعلى الرغم مما اصطلح مراقبون على تسميته «الفورة الاجتماعية» في الأراضي الفلسطينية، تكاد خيارات العائلات التي ترنو لعطلة نهاية أسبوع ممتعة ومريحة، أو سهرة جميلة، تظل محدودة إلى حد بعيد.

هذا ما يُفسّر، مثلا، كيف تمتلئ مطاعم مدينتي رام الله وبيت لحم عن بكرة أبيها أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد بالعائلات، وكأنها متتنفس الناس الوحيد. كذلك يغصّ «مول» رام الله بجحافل الزائرين الذين يقصدونه للتسوّق وتدخين النارجيلة (الشيشة)... ثم ويغادرون.

محمد سالم (26 سنة)، قال لـ«الشرق الأوسط» عندما التقيناه «الخيارات هنا محدودة. أسهر مع أصدقائي في المقاهي والمطاعم، وندخن النارجيلة ونشرب القهوة، وأحيانا أذهب مع العائلة إلى منتزهات أريحا لتمضية يوم هناك». وأردف «هذه كل خياراتنا بصراحة ولا يوجد لدينا متنفس آخر».

وحقا، محمد وكثيرون من أمثاله، ليس أمامهم من مجالات للترفيه والتسرية عن النفس غير السهر مع العائلة والأصدقاء بعد عمل النهار.. والنارجيلة في المطاعم والمنتزهات عندما تتاح الفرصة.

مطعم «ريم البوادي» في بيت لحم من الأماكن التي تعج بالعائلات التي تأتي بالأخص طلبا للنارجيلة التي تحوّلت هنا إلى ظاهرة. وحسب كلام نبيل ثلجية، صاحب المطعم، «الناس تبحث عن أي متنفس. النارجيلة أصبحت من الطقوس اليومية لكثير من العائلات هنا - وتابع بالعامّية - الناس وين بدها تروح؟». وفي بيت لحم ورام الله، أيضا، بات هناك نارجيلة «ديليفري»، بمعنى أنها تذهب بها المطاعم إلى منازل محبيها من أولئك الذين لا يحبون السهر وأجواء الصخب خارج البيوت.

ولكن، في المقابل، مثل هذه المطاعم والمنتزهات غير متوفرة في مدن كثيرة في الضفة الغربية. بل إن الضفة تفتقر الضفة، في الواقع، إلى متنزهات ضخمة كبيرة إلا من بعضها كما هي الحال في مدينة أريحا، التي هي منتجع كما تفتقر إلى الملاهي والملاعب المخصّص للأطفال، وللأندية الرياضية.. وطبعا - وهذا هو الأهم - تفتقر إلى بحر. وكأن كل هذا لا يكفي، تساهم حواجز الأمن الإسرائيلي في التضييق على الناس و«الكبس» على أنفاس الناس، ولا سيما أنها تنتشر في كل مكان تقريبا، جاعلة من الرحلة القصيرة من مدينة وأخرى مغامرة شاقة لا تُضمن عواقب.

إياد الحروب، مواطن فلسطيني اختصر هذا الوضع بقوله «نحن نعيش بلا بحر ولا حرية.. وخياراتنا محدودة جدا. أنا، على سبيل المثال، أمضي اليوم جلّ وقتي في مشاهدة المباريات الرياضية، وأذهب أحيانا إلى السينما». ولا بد من الإشارة، في هذا السياق، إلى أن دور سينما مختلفة باشرت منذ وقت ليس بالطويل عرض أفلام مختلفة، عربية وأجنبية، في مدن الضفة. وغدا كثيرون كإياد يجدون ضالتهم في مشاهدة السينما. أما البعض الآخر فيذهب إلى مهرجانات للرقص المعاصر أو عروض مسرحية أجنبية ومحلية تنظم موسميا هنا وهناك. وفي الحقيقة، كما قال أحدهم، «الفلسطينيون يتحمّسون لتجريب كل شيء مثل طفل بدأ يتلمس الحياة». وهكذا انتشرت في الضفة الغربية فرق راقصة وفرق مسرحية وفرق «راب» أسسها شبان صغار، مع أن هذه الثقافة غير منتشرة حتى الآن على نطاق كبير.

مع هذا، وشيئا فشيئا، تتغير عادات كثيرة في حياة الفلسطينيين وتدخل على الخط اهتمامات جديدة.

الرياضة اليوم أحد أكثر ما يشغل اهتمامات الفلسطينيين، وخصوصا جيل الشباب منهم. ويكفي التوجه إلى شوارع رام الله بعد كل مباراة بين فريقي ناديي برشلونة وريال مدريد الإسبانيين لمشاهدة ما قد يفوت إسبانيا نفسها.. من تظاهرات التأييد والغضب.. ناهيك عن الاشتباكات بين أنصار الفريقين.

وبالتوازي مع هذا الاهتمام المتزايد أطلق اتحاد كرة القدم الفلسطيني عدة «دوريات». وأعيد تشكيل عدد من الاتحادات الرياضية، أو أسست من الصفر، من بينها اتحاد رياضة السيارات واتحاد مصارعة الكونغ فو وغيرها. وهذا غير الأندية الرياضية الكثيرة التي فتحت أبوابها خلال السنوات الأخيرة، وهي وإن كانت متواضعة بعض الشيء.. فإنها تظل تمثل ملاذا ومتنفسا لكثيرين. وحول هذا الموضوع يقول إبراهيم عليان، وهو مدرب سباحة ورياضات قتالية، «نساء وأطفال وشباب وكبار في السن يأتون للتدرّب على السباحة والكونغ فو. هذه ظاهرة صارت منتشرة إلى حد كبير.. الرياضة تغير نفسيات الناس وتعتبر متنفسا جيدا وصحيا».

في المقابل، ثمة آخرون، لا يهتمون بكل ذلك، بل يميلون إلى «قتل» الوقت بمتابعة المواقع الاجتماعية. ويقول أحد هؤلاء، واسمه عبد الرحمن، إنه يمضي نصف يومه في متابعة المواقع الاجتماعية. ثم يضيف «بصراحة، صرت مدمنا على موقع (فيس بوك)، والعشرات من أصدقائي كذلك».

أما الأوفر حظا من الفلسطينيين، فهم أولئك الذين يحصلون على تصاريح لدخول إسرائيل، «فبوجود المال اللازم - كما قال أحدهم - يضمن التصريح أجمل ترفيه يمكن أن يطمح إليه المرء في أوروبا نفسها». إلا أن القيود الإسرائيلية تحرم الغالبية من هذا الترفيه، وتحرم كثيرين أيضا حتى من السفر عبر الجسور إلى الخارج. وهذا يعني أن تمضية العطلة لأي فلسطيني، تعني حصوله على موافقات إسرائيلية والكثير من المال من أجل السفر، وعلى متسع من الوقت ليفعل ذلك. وبناء عليه، لا يعود أمامه سوى الهرب إلى النارجيلة في المقهى ومتابعة النشاطات الرياضية والثقافية وقضاء يوم في أريحا الواقعية لا الأسطورية، أي وسط الحرّ الشديد وجيوش الذّباب.