الأسطى مكرم «عجّان الفخار»: أنسى آلامي محبّة للعمل وخوفا من الفقر

تشققات الجلد وآلام الظهر وقلة الدخل أبرز «أوجاع» المهنة

عم مكرم «عجّان» الفخار في حوض العجين («الشرق الأوسط»)
TT

«صنعة في اليد أمانة من الفقر».. بهذه الحكمة الشعبية البسيطة يلخص الاسطى مكرم أحمد حسين «عَجَّان» الفخار، فلسفته في الحياة، راضيا بما قسمه الله له، رغم خطورة مهنته على يديه وقدميه نظرا لانغماسهما المستمر في الطمي والطين استعدادا لتشكيل أوان من الفخار. المتأمل عن قرب لمهنة عجّان الفخار أو عجّان الطين مثلما يردد العاملون بمهنة الفواخرية في منطقة «بطن البقرة» بضاحية مصر القديمة بالقاهرة، يجدها مهنة شاقة للغاية، حيث تتطلب وقتا طويلا ومجهودا كبيرا واستنزافا للصحة والقوة البدنية، والمحصلة مقابل مادي ضعيف، بالكاد يكفي نفقة أسبوعين في الشهر، ويبقى الأسبوعين الآخرين رهنا بالاقتراض والسلف لحين سدادهما في الشهر التالي، وهكذا دواليك كل شهر، حسبما يقول الاسطى مكرم عن صعوبة المهنة، وهو يوضح خطواتها بدءا من شراء الطمي من أسوان وهو الأنسب داخل مصر لصناعة الفخار منه، ثم بعد ذلك طحنه ونخله لضمان خلوه من حصوات أو حبيبات رملية قد تسبب مشكلة في تشكيل أوعية الفخار من تحف و(فازات) و(قلل) و(جرار) و(أزيار) بكل الأحجام.

يقول الاسطى مكرم: «أقوم بطحن الطين ونخله ثم وضع مقدار 65 صفيحة من هذا الطين في حوض بالإضافة إلى 100 صفيحة من الماء وتقليبها جيدا ثم نقلها في حوض آخر وبنفس عمق الحوض الأول وتركها لمدة 10 أيام لضمان تخميرها ثم تجفيفها وتشكيلها على هيئة قوالب كبيرة ثم إعادة تقليبها وإدخالها في بيت الطين في مرحلة تسمى (دوَّاس الطين)، أقوم فيها بدهس الطين مجددا وتشكيله في قوالب مستطيلة بارتفاع 40 سم تمهيدا لقيام الفواخري بصنع أشكال مختلفة منها».

لم يكتف الاسطى مكرم بشرح خطوات عجن الطمي أو الطين نظريا؛ بل قام بفعلها خطوة خطوة بداية من نخل الطين وطحنه ووضعه في الأحواض وغمس قدميه إلى فوق ركبتيه بداخل الحوض وعجنها بيديه ثم دهسها بقدميه لفترت طويلة وقد بدت عليه علامات الإرهاق والتعب والعرق يتصبب من وجهه، حينئذ قلت له: «استرح بعض الوقت»، فرد قائلا: «لو أخذت قسطا من الراحة لقمت بإعادة مرحلة العجن من جديد، ضمانا للوصول لأفضل درجات تخمير الطين». وأضاف: «رغم تعب ومشقة المهنة؛ فإنني أشعر بسعادة وأنا أعمل بها وقد بدأتها وأنا طفل صغير في مطلع الستينات من القرن الماضي، وتعلمتها على يد أسطى كان قاسيا في معاملته معي وكنت آخذ منه ثلاثة جنيهات ونصف كل شهر والآن أصبحت والحمد لله (صنايعي) كبير ومعروف».

عدت مجددا لسؤال الاسطى مكرم عن أسرته وصحته، فقال: «عندي 3 من الأبناء أكبرهم أحمد عمره 22 سنة، وأصغرهم فتاة عمرها 18 سنة، وكلهم في مراحل تعليمية مختلفة، وأجرتي من مهنتي وهي باليومية تتراوح بين 20 و30 جنيها في اليوم، وقد أجلس أياما كثيرة دون عمل ودون دخل، إما بسبب ظروف مرضية قد أمر بها وإما بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد خاصة في مجال السياحة، حيث تعتمد مهنتنا على تشكيل الأواني الفخارية والتحف التي يشتريها السائحون».

وعن تعرضه لأوجاع صحية بسبب عجن الطين قال: «أتعرض لآلام الظهر بشكل دائم، وكذلك تشققات الجلد وجفافه ورطوبة الجسم كله؛ لكن ربنا يسترها وأنا لا آخذ في بالي هذا الوجع حتى لا أصاب بحالة نفسية تقعدني عن العمل، وأنا على أي حال من المؤمنين بأن (ربنا يعطي البرد على قد الغطا)، كما أنني لو فكرت أروح كل يوم والتاني عند الأطباء مش هلاقي فلوس أروح أكشف بيها».

دمعة عفوية حارة سقطت من عينيه وهو يكمل حديثة قائلا: «لو جرى لي حاجة مش هلاقي حد يصرف علي وأنا غير مؤمَّن علي صحيا أو اجتماعيا، وليس لي معاش أصرفه بعد تقدمي في العمر».

صمت الاسطى مكرم للحظات وهو يتأمل قوالب الطين التي صنعتها يداه، وقال بنبرة حادة لا تخلو من أسى: «أنا أطالب بعلاجي وكافة الفئات الحرفية على نفقة الدولة بسهولة ويسر، وأطالب بإدراجنا ضمن منظومة التأمين الصحي.. هذه أبسط حقوقنا».

وتمنى الاسطى مكرم، عجّان طين الفخار أن يعمل رئيس مصر القادم لصالح مصر ويحترم المصريين ويعطي كل ذي حق حقه ويكون علاج المرضى والاهتمام بصحتهم وتعليمهم هو شاغله الأول، وحسبما يقول: «كفانا من الحديث عن الحريات والديمقراطية والكلام اللي كل يوم بنسمعه في التلفزيون، إحنا محتاجين لقمة عيش نظيفة وخدمة علاجية كويسة وتعليم محترم وأي حاجة تانيه بعد كده تيجي على مهلها، وأيا كان الرئيس المنتخب عسكريا، أو إسلاميا أو من دعاة الحريات كل ما يهمنا أن يراعي ربنا وضميره في الوطن ده ويفعل مثلما كان سيدنا عمر بن الخطاب يفعل وهو يعسعس في الأرض ويتفقد شؤون الرعية».