رئيس رابطة «التُّرَبيّة» في مصر: رزقنا في عالم الغيب ولصوص المقابر أبرز مشاكلنا

شارك في دفن الملك فاروق وورث مهنته أبا عن جد

رئيس رابطة «التُّرَبيّة» في مصر الحاج عبد العزيز صالح («الشرق الأوسط»)
TT

بحكم مهنته هو آخر إنسان يرافق جثمان المتوفى قبل أن يوارى الثرى، وبعد إتمام مراسم الدفن ومغادرة الأهل والأبناء والأقارب، يتبوأ مكانه بين صمت القبور كحارس للمدفن خوفا من اعتداءات اللصوص، ولدى زيارة الأهل لذويهم المتوفين، لقراءة الفاتحة والترحم عليهم، خاصة في المواسم والمناسبات الدينية تتجدد صورته كأمين على أسرار الموتى في قبورهم.

ووفقا للتراث الشعبي المصري، فإن الأحياء يتشاءمون ممن يمتهن مهنة «التُّرَبي»، ولا يلجأون إليه إلا عند تحرير شهادات الوفاة لذويهم والإذن بالدفن، بل إن الكثير من الأسر المصرية ترفض أن تعقد معه مصاهرة للزواج.

رئيس رابطة الترابية في مصر الحاج عبد العزيز صالح، وهو أقدم تُربي في القاهرة الكبرى بعد بلوغه 84 عاما، يبدد غبار هذه الصورة المتشائمة ويقول في لقائه مع «الشرق الأوسط»: «التربي مهنة كلها شرف وأمانة وروحانية، وقد ورثتها أبا عن جد، فكان جدي الكبير الحاج صالح هو أول رئيس لطائفة التُّرَبِيَّة وذلك قبل 100 عام، ومن بعده ورث والدي أحمد صالح المهنة، ثم توليتها أنا بعد تغيير اسم الطائفة إلى رابطة الترَبية».

يتطرق الحاج عبد العزيز إلى أوجاع وهموم التربية، التي يعددها قائلا «من أبرز المشكلات عدم وجود دخل ثابت للتربية، فلا يوجد أجر نتقاضاه من جهة ما، ولا يوجد معاش لكبار السن من التربية أو حتى تأمين صحي، حيث نعتمد فقط على ما يعطيه أهل المتوفى لنا نظير الدفن، ومن ثم رزق التربي مرتبط بكثرة أعداد الوفيات وهو شيء في علم الغيب وبيد الله، فقد يظل التربي لأسابيع طويلة دون حالة دفن واحدة».

ومن بين الهموم والمشاكل أيضا، تعرض التربي لاعتداءات لصوص المقابر، فالتربي في المناطق القديمة مسؤول عن الدفن وحراسة المدفن، ومن ثم فهو يواجه اللصوص الذين يشهرون الأسلحة في وجهه. ويضيف الحاج عبد العزيز: «للأسف الشديد الحكومة لم تساندنا في مواجهة لصوص المقابر وقد جردتنا الشرطة من الأسلحة قبل عشرين عاما، حيث سحبت تراخيص الأسلحة التي كانت تمنحها للتربي لمواجهة هؤلاء اللصوص، وهو ما أدى إلى ازدياد حالات السرقة في السنوات الأخيرة، بخلاف تعرض الترَبية لمخاطر صحية ناجمة عن آثار الدفن، وبخاصة وفيات الحوادث، كما أن الدراما التلفزيونية والسينمائية تتناول شخصية التربي بشكل مهين ودائما ما تتهكم على مهنته».

ويبين شيخ التُّربية أيضا أن مصلحة الضرائب قامت بفرض ضريبة كبيرة على التُّربية المسجلين بالرابطة، وهي في الواقع لا تعبر عن عدد حالات الدفن، وهو أمر متكرر مع جميع التُّربية دون مراعاة لظروفهم المادية الصعبة. ويطالب بإنشاء استراحات للتربية في قلب الصحراء والأماكن البعيدة لكي ينتظروا فيها وصولا للجثمان المطلوب دفنه، حيث إنه في كثير من الأحيان نضطر للانتظار في الخلاء عدة ساعات في حرارة الجو صيفا أو تحت المطر شتاء لحين وصول الميت.

ويوضح الحاج عبد العزيز أن الرابطة تضم قرابة ألف تربي بمقابر الإمام الشافعي والإمام الليثي والتونسي والبساتين والمجاورين وباب النصر ومنشية ناصر والإباجية والسيدة نفيسة وباب الوزير وزين العابدين والعفيفي ومصر الجديدة وسيدي عمر وسيدي عقبة وسيدي عبد الله، بخلاف مقابر مدينة 6 أكتوبر. ويبين أن الرابطة تضم بين عضويتها مؤهلات عليا وأطباء ومهندسين، وسكرتير عام الرابطة مهندس مدني، والالتحاق بالرابطة يتم عبر لجنة شؤون التُّربية والحانوتية، وهي لجنة رسمية مشكّلة من الجهة التنفيذية ويترأسها قاض من محكمة جنوب القاهرة وتضم شيخ التُّربية ومدير عام الجبانات بالمحافظة ومدير عام الأملاك ونائب المحافظ ومندوبا من الشرطة، وتنعقد اللجنة يوم الخميس من كل أسبوع، ويتم اختبار المتقدم في القراءة والكتابة وحفظ آيات من القرآن والحديث ومعرفة أصول الدفن، وإذا تجاوز المتقدم هذه الشروط يصبح عضوا بالرابطة ويدفع اشتراكا سنويا كمساهمة في أي ضائقة مالية أو أزمة يمر بها التُّربي.

ويلفت الحاج عبد العزيز إلى أنه شارك في دفن مشاهير كثيرين على مدار سنوات طويلة، أبرزهم الملك فاروق، آخر ملوك مصر والمدفون في مسجد الرفاعي بالقلعة، إلى جانب شخصيات كثيرة في مقابر الإمام الشافعي وغيرها من المقابر، وبحسبه تعد مقابر الإمام الشافعي الأكبر من حيث عدد المدافن والأحواش وتوجد بها العائلة المالكة مثل إبراهيم باشا، الابن الأكبر لمحمد علي باشا والي مصر، ووالدة الخديو توفيق، ووالد الملكة نازلي زوجة الملك فؤاد، بخلاف المئات من المشاهير والقضاة والشخصيات العامة مثل لاظوغلي باشا وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وأنور وجدي وفريد الأطرش ومحمد عوض.