ارتفاع غير مسبوق لأسعار العشش في الأحياء العشوائية بالدار البيضاء

30 ألف يورو ثمن بيت قصدير يطمح صاحبه للاستفادة من برنامج «القضاء على دور الصفيح»

بيت قصدير في أحد أحياء الصفيح بالدار البيضاء (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

شهدت أسعار دور الصفيح (العشش) ارتفاعا غير مسبوق في بعض أحياء الدار البيضاء التي تعد العاصمة الاقتصادية والتجارية للمغرب، بعد أن شرعت السلطات المحلية في عملية إحصاء واسعة النطاق تهدف إلى تعويض سكان هذه الأحياء التي انتشرت في جميع أنحاء المدينة، بشقق عصرية لائقة، أو منحهم قطعة أرض في مناطق أدخلت إليها خدمات الماء والكهرباء، على أن يشيدها المستفيد طبقا لرغبته.

وقال مصدر بمكتب عقاري في حي البرنوصي شمال مدينة الدار البيضاء إن سعر أحد بيوت الصفيح (يطلق عليها في المغرب «براكة») بلغ الأسبوع الماضي 330 ألف درهم، أي قرابة 30 ألف يورو، وهو ما يعادل سعر شقة في بعض أحياء المدينة. وعزا المصدر هذا الارتفاع إلى رغبة المشتري في الاستفادة من عملية تعويض بيت القصدير (العشة) بشقة عصرية؛ إذ إن المعلومات المتداولة وسط السكان حاليا تفيد أن أصحاب دور الصفيح سيتم تعويضهم بشقق حديثة، تكون مطابقة، وفي بعض الأحيان، أكبر من مساحات بيوت القصدير التي ستهدم، أو بقطعة أرض مزودة بالخدمات.

وقال مصدر شارك في عملية إحصاء سكان دور الصفيح في مقاطعة البرنوصي زناتة إن هناك عدة عوامل ما زالت تشكل صعوبات وعراقيل أمام برنامج القضاء على السكن العشوائي في الدار البيضاء؛ منها محاولات تجري لزيادة عدد بيوت القصدير سرا من أجل الحصول على التعويضات المرتقبة سواء كانت قطع أرض أو شققا، وكذلك السماسرة والمضاربين الذين ساهموا في المدة الأخيرة وبشكل واضح في ارتفاع أسعار بيوت القصدير رغبة في الاستفادة من مشروع القضاء على المساكن العشوائية. وأشار المصدر إلى أنه ومنذ الإعلان عن انطلاق مشروع تعويض سكان الصفيح بقطع أرض أو شقق جاهزة، أدى ذلك إلى «تفريخ» عدد كبير من بيوت القصدير خلال فترة زمنية قياسية.

يشار إلى أن هناك شريحة أخرى من السكان كانوا يقطنون في شقق متواضعة قبل الإعلان عن مشروع القضاء على السكن العشوائي، قرروا بمحض إرادتهم الانتقال إلى دور قصدير، أملا في الحصول على شقة لائقة عندما يجري تعويض أحياء الصفيح بأحياء سكنية حديثة.

ويقول سكان في حي يطلق عليه «دوار الحجر» إن الأمر لم يعد يقف عند الاتجار بدور القصدير، بل تجاوز ذلك إلى مشاركة مجموعات مستفيدة في بناء أعداد كبيرة من هذه الأكواخ، بحيث تجند هذه المجموعات، عددا كبيرا من العمال يعملون في ساعة متأخرة من الليل تصل حتى حدود فجر اليوم التالي وذلك لتضليل السلطات المحلية، وخلال ساعات يشيدون الكوخ من ألواح الزنك والأخشاب، وبالتالي يضمنون إدراج الأكواخ القصديرية المشيدة حديثا، أي تلك التي «تفرخ» ليلا، ضمن لائحة التعويضات.

وتسعى السلطات ومنذ فترة للقضاء على دور الصفيح (القصدير) في الدار البيضاء، التي تشكل أيضا نقاطا سوداء تنتشر فيها الجريمة وحوادث العنف، بحيث رصدت لذلك ميزانية تتجاوز 40 مليون دولار، يفترض أن تؤدي إلى بناء 55 ألف شقة، يستفيد منها قرابة 46 ألف شخص.

لكن من الواضح أن المشروع يتعثر بسبب الدور الذي يلعبه من أصبح يطلق عليهم «سماسرة البناء العشوائي» الذين يعملون في اتجاهين؛ الأول زيادة مصطنعة في عدد دور الصفيح للاستفادة من التعويضات، والثاني حملة مضاربات لبيع الدور الحالية لأشخاص يأملون في الحصول على مقابل عند تعويضهم بشقة أو قطعة أرض وبالتالي يستعيدون ما دفعوا نقدا مع تحقيق ربح جيد.

وقال أحد سكان «كاريان سنترال» في الحي المحمدي، وهو من أعرق وأكبر أحياء الدار البيضاء، إن جميع المجهودات التي بذلت للقضاء على دور الصفيح باءت بالفشل، حيث تزداد المشكلات تعقيدا بشأن نقل سكان دور الصفيح في عمالة (محافظة) «الحي المحمدي عين السبع» إلى مساكن لائقة.

ويشرح هذا المصدر الوضع بقوله: «لم يعد الأمر يتمثل في بعض المشكلات العادية التي تخص على سبيل المثال عملية الإحصاء التي نظمتها السلطات، بل هناك من السكان الأصليين لحي الصفيح المذكور من لم يستفد من المشروع لسبب بسيط؛ هو حصول بعض الغرباء وبطرق ملتوية على «شهادة سكن» أو كما يسميها البعض «الإقامة»، وهي شهادة تؤكد أنه يقطن في أحد أحياء الصفيح، مما يتيح له الاستفادة من التعويضات. ويحصل هؤلاء المستفيدون وبطرق ملتوية على هذه الوثيقة الإدارية، مقابل دفع مبلغ وصل في بعض الأحيان إلى 40 ألف درهم، أي في حدود أربعة آلاف يورو، وهو ما خولهم أن يكونوا من أوائل المستفيدين من قطع الأرض التي تبلغ مساحتها 84 مترا مربعا وتقع في «مقاطعة الهراويين». ومن المشكلات كذلك التي تعرقل تنفيذ برنامج إعادة إسكان دور الصفيح في شقق لائقة، هو أن بعض الأسر التي تعيش في هذه الدور تشجع أبناءها على الزواج، مما يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع عدد الأسر التي تعيش في البراكة (الكوخ) إلى أكثر من أسرة، وهو ما يتطلب عند التعويض منح مثل هذه الأسر أكثر من قطعة أرض أو شقة.