العراقي يوسف عباس.. أصغر مدرس في «بيت العود العربي»

احتضنه الفنان نصير شمة وأدهش المختصين بموهبته في العزف

TT

يمكن أن يطلق عليه لقب «طفل الموسيقى»، فقد جذبته آلة العود وهو في الرابعة من عمره، وأسرته بأوتارها. ومن ثم أراد أن يكون أفضل من الفنان العراقي العالمي نصير شمة، فتبناه شمة فنيا... وأصبح أصغر مدرس في «بيت العود العربي»، بعدما حاز إعجاب المتخصصين في «البيت»، وأشادوا بموهبته، بل وعبقريته في العزف على العود.

داخل «بيت العود العربي» في العاصمة المصرية القاهرة تحدث الفنان العراقي الشاب يوسف عباس إلى «الشرق الأوسط»، فقال عن طفولته وبداية تعلقه بالموسيقى: «كان جدي دائم الاستماع لفنان العود الشريف محيي الدين حيدر، وهو من أسس العزف على آلة العود في المعهد الموسيقي ببغداد، وكان عمري وقتها 4 سنوات. ورغم أن عزف الشريف مختلف وله تكنيك ومدرسة خاصة به في العزف، كنت أستمتع بعزفه. وكان يصل إلى قلبي بسهولة، وقد يرجع ذلك إلى أن معظم مقطوعاته الموسيقية معبرة عن الطفولة، مثل الطفل الراقص والطفل الراكض. وباختصار، فهو أول من حببني بآلة العود».

وفي العراق، بدأ يوسف مشواره في التعلم على العزف على آلة العود وهو ما زال في الثالثة عشرة من عمره. وكان هدفه الوحيد في البداية أن يكون أفضل من الفنان العالمي نصير شمة. وعن السبب في ذلك روى، فقال: «قررت أن أتعلم العزف على العود، وكبرت الفكرة في دماغي أكثر عندما شاهدت الفنان نصير شمة، ورأيت إعجاب أسرتي به وبعزفه. يومها استغربت كيف استطاع أن يبهر الناس بآلة واحدة ومن دون غناء، فشعرت بغيرة، وكان هدفي الوحيد عندما بدأت في تعلم العود أن أكون أفضل من نصير شمة. وبدأت في تعلم العود في سن الثالثة عشرة على يد الأستاذ علي البابلي، إلا أنه كان كثير السفر خارج العراق نظرا لارتباطه بحفلات فنية كثيرة. وفي إحدى المرات أعطاني فقط السلم الموسيقي وسافر، وعندما عاد وجدني عازفا أغنية فأعجب بي كثيرا وتوقع لي مستقبلا باهرا. وكنت في هذه الفترة أسمع كثيرا وأحاول أن أقلد الألحان، ومع أنني لم أكن قد تعلمت المقامات بعد، فإنني كنت أستطيع تمييزها بأذني... ومن ثم تقليدها».

واستطرد يوسف: «... وفي أحد اللقاءات التلفزيونية في العراق، قبل أن أجيد العزف كما يجب، قلت إن طموحي هو أن أكون أفضل من نصير شمة، فسمع الأستاذ نصير هذا الكلام وقرر أن علي الحضور إلى مصر للدراسة في بيت العود».

وعن رحلته من دارس في «بيت العود العربي» إلى أن غدا أصغر مدرس، شرح يوسف «حضرت إلى مصر في نهاية عام 2008. وكان عمري يومذاك 14 سنة. في تلك الفترة كنت أظن أنني عازف جيد... لكنني صدمت عندما سمعت العازفين في بيت العود، واكتشفت أن عزفي سيئ جدا، وكانت هذه أول صدمة لي».

وتابع كلامه موضحا طبيعة الدراسة «لكي يتخرج العازف من بيت العود العربي لا بد أن يدرس لمدة سنتين، ولكن بعد شهرين من الالتحاق يجرى اختبار للدارس لتحديد مدى جديته في التعلم والاستمرار، وعلى ضوء ذلك يتحدد ما إذا كان سيكمل شهور الدراسة أو التوقف عند هذا الحد، ولا بد هنا من الإشارة إلى أنه لا توجد شروط تتعلق بالسن. ثم إن منهجية بيت العود العربي تقوم على دراسة تقنيات العزف المختلفة، ومؤلفات مختلف مدارس العود الموجودة ورموزها».

وأضاف: «عن نفسي أقول، إنني كنت أمضي معظم الوقت في العزف. فكنت أتمرن لما يقرب من 8 ساعات يوميا، وباقي اليوم أمضيه في قراءة كتب العود والموسيقى، وكان أستاذي المباشر هو فنان العود السوري بحر غازي، ولكن الأستاذ نصير شمة كان يأتي كل فترة لسماعي وإعطائي بعض الملاحظات. والحمد لله، اجتزت الدراسة في بيت العود، وأصبحت الآن أصغر مدرس لآلة العود في بيت العود العربي».

وعن التلحين قال يوسف: «كانت قصيدة (يا دجلة الخير) للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري أول قصيدة لحنتها، وكنت يومذاك في الثالثة عشرة من عمري، وهو ما دهش له كل من استمع للحن. وبعدها لحنت (مو حزن لكن حزين) لمظفر النواب و(الزهرة السوداء) لنازك الملائكة، و(يا طير بلغ أهلي أجمل تحياتي) و(وين جنتي) لمحمد الغريب، و11 لحنا آخر، آخرها أغنية (أنا العراق) للشاعر عريان السيد خلف، التي قمت أيضا بغنائها في الملتقى المسرحي الأول لمصر والعراق. ولقد اخترت أن أغني هذه الأغنية بالذات لأنها تجسد الحالة السيئة التي يعيشها العراقيون في ظل الأوضاع السياسية الحالية. وهكذا وجدتها فرصة كي أعبر عن ضيقي الشديد لأوضاع بلادي في ظل وجود ممثلين من الحكومة العراقية. إن الفنان هو أفضل من يستطيع التعبير عن مشاكل وطنه، لأن صوته سيصل لكل الناس... وأنا أحب أن أوصل أفكار الناس من خلال عودي، وأرفض أن أكون لعبة في يد أي سياسي».

يوسف يحلم اليوم أن يكون له لون خاص يميزه، وهو يعمل جاهدا لتحقيق هذا الحلم، وحسب كلامه: «أحلم بأن تكون لي مدرسة خاصة لها فكر وألحان ونغمات جديدة، كما كان لكل من منير بشير وجميل بشير لونهما الخاص، وكما خرج الفنان نصير شمة بمدرسة جديدة تختلف عن المدارس السابقة. أريد أن أخرج بلون مستقل مغاير تماما. ولكي يحدث ذلك لا بد أن أسمع وأقرأ كثيرا. أنا الآن أستمع إلى الموسيقى الهندية والصينية واليابانية والموسيقى الكلاسيكية الحديثة السريعة، لكي أخرج بلون جديد متميز، ولكي أقدم موسيقى تصل إلى كل الناس، للفقير قبل الغني».

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن يوسف عباس شارك، بالفعل، في الكثير من الحفلات والمهرجانات، وحصد الكثير من الجوائز، مثل «قلادة منير بشير»، و«الجائزة الذهبية» في مسابقة مهرجان قرطاج الموسيقي لعام 2010. ويرغب يوسف بحماسة شديدة في إكمال مشواره الفني في مصر «لأنها تفتح الباب أمام الفنان ليكبر، بدليل أن الأستاذ نصير شمة عندما فكر في تأسيس بيت العود العربي فإنه أسسه في مصر».