الشاب باسم «فران» الخبز البلدي: مهنتنا هي الأساس.. والكل في حاجة إليها

طالب بضمانات اجتماعية وصحية لحمايتها من المخاطر والانقراض

باسم عاشور فران الخبز البلدي وهو يقف أمام نيران فرنه طوال اليوم («الشرق الأوسط»)
TT

«إدي العيش لخبازه ولو ياكل نصفه».. مثل مصري يوقر مهنة صانع الخبز، ويحتفي بها كعصب أساسي في استمرار الحياة.. يدرك هذا الشاب باسم عاشور، فران الخبز البلدي، قائلا عن نفسه: «مهنتنا هي الأساس، والكل في حاجة إليها، وإذا توقفت أو اعتصم العاملون بها تعرض الجميع للجوع».

ومن منطلق أهمية الفران البلدي في المجتمع، يرى باسم ضرورة الاهتمام به ماديا وصحيا، خاصة أن معظم الأفران تعمل الآن بنظام الفرن الآلي، وأصبحت الأفران البلدية قليلة جدا، ويقتصر وجودها على بعض المناطق الشعبية القديمة.

باسم البالغ من العمر 33 عاما يقول: «أنا أعمل فرانا بلديا منذ 20 سنة، وكنت حينذاك طالبا في الإعدادي، وبعد حصولي على دبلوم ثانوي صناعي لم أجد عملا غير الاستمرار فرانا مع والدي الذي يعمل فرانا هو الآخر، وقد ورثنا هذه المهنة عن جدي الذي كان يعمل بنفس الفرن منذ إنشائه في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، وهى ليست ملكا لنا؛ ولكننا نعمل فيها».

يضيف عاشور «عملي بالفرن باليومية، وهي تبلغ خمسين جنيها في اليوم الواحد، وإذا تغيبت عن العمل تحت أي ظرف لا أتقاضى أجرتي، كما أن يوم إجازتي الأسبوعية يكون خصما من راتبي، وكذلك أيام الأعياد والمناسبات التي يتوقف فيها العمل في الفرن، ومن هنا فدخلي لا يزيد على 1300 جنيه شهريا إذا عملت 26 يوما في الشهر و12 ساعة يوميا أمام حرارة الفرن، ومن ثم فأنا أطالب بالتأمين الاجتماعي والصحي على الفران البلدي، فوالدي رغم كبر سنه لا يزال يعمل بنفسه، لأنه ليس له دخل آخر ولا يتقاضى معاشا من الدولة وإذا مرض، لا قدر الله، يعالج نفسه بالمستشفيات على حسابه، وهذا في حد ذاته شيء مقلق يسبب لي إزعاجا دائما».

ويروي باسم، أن صاحب الفرن عم مسعد الجزار وإخوته اشتروا الفرن الآلي واشتغلوا به لفترة بسيطة إلى جانب الفرن البلدي؛ ولكن وجدنا الناس تفضل عيش الفرن البلدي على الفرن الآلي، مما اضطره إلى فصل الآلي وعدم العمل به، ولا تزال الماكينة الآلية موجودة بالفرن من دون استعمال. وأرجع باسم أسباب تفضيل الزبائن للخبز المصنوع في الفرن البلدي إلى أن رغيف الخبز يكون رقيقا، بالإضافة إلى طعمه اللذيذ ورائحته الطيبة، وهو ما لا تشعر به في الخبز الخارج من الماكينة الآلية.

ولا ينكر باسم أنه يتعرض لمخاطر جراء الوقوف لساعات طويلة أمام النار في الفرن البلدي؛ لكنه مع ذلك يقول: «أنا تعودت على ذلك، وربنا بيسترها، ولو أنا شغلت بالي بأن الفرن البلدي سيؤذيني مش هشتغل، حتى في أوقات الصيام، رغم حرارة الجو وحرارة الفرن والعطش الزائد؛ فإن ربنا بيسترها معانا، وشهر الصيام يمر على خير، ونحن صائمون كل أيامه من دون فطور».

يضيف باسم: «خطورة الفرن لا تتوقف عند هذا الحد، فأنا أضع وجهي ورأسي في مقدمة الفرن أكثر من 400 مرة في الوردية لإدخال عجين العيش وإخراج الخبز من خلال كوريك، وهو عبارة عن خشبة طولها ثلاثة أمتار ونصف المتر، وهذا يعرض وجهي للاحمرار، وكذلك نزلات البرد عند الانتقال من مكان الفرن الدافئ جدا لجو الشارع البارد».

رغم ذلك، يرى باسم أن مخاطر الفرن البلدي لا تساوي شيئا، مقارنة بالفرن الآلي الذي يتسبب في حدوث التهابات بالكلى للفران الذي يقف بجانب سير الفرن الآلي وهو معدن، بالإضافة إلى أن الردة المحترقة بالفرن الآلي تسبب الربو والأمراض الصدرية لأنها تتصاعد في شكل غبار، وتتسرب إلى الجهاز التنفسي من خلال الأنف والفم؛ ولكن الردة المحترقة في الفرن البلدي تحترق في المدخنة ولا تترك أثرا سيئا على الفران.

لهذا السبب وغيره، ينصح باسم جميع أصحاب المخابز بالتخلي عن الأفران الآلية والعودة للفرن البلدي العادي الذي تربينا عليه وشاهدناه، ويؤسفني أن يتعرض للاندثار حاليا. عشرة المهنة جعلت باسم يقول: «لقد اعتدت على العمل بالفرن وأصبح صديقا لي، كما أنني اكتسبت هذا الحب والعشق لنار الفرن من والدي وجدي؛ ولكنني لا أمانع في العمل بمهنة أخرى، إذا كانت ستوفر لي راتبا ثابتا يكفي أسرتي ويكون مؤمنا علي».

ورغم هذه المحبة، يرفض باسم أن يورث مهنة الفران لأبنائه من بعده مثلما ورثها عن الأب والجد بسبب متاعبها وشقائها ويقول: «نفسي ابني يوسف يكبر ويدخل الكلية الحربية ويصبح ضابطا في الجيش». لكن هذا لم يمنع باسم أن يطالب بالحفاظ على الفران البلدي، لأنها مهنة من التراث الشعبي ولم تعد موجودة في بلاد العالم المختلفة بعد انتشار الفرن الآلي بشكل كبير.