اقتناء المولدات الكهربائية متطلب أساسي لإقامة الأفراح والعزاء في غزة

في ظل أزمة الانقطاع الدائم للتيار بالقطاع

مواطن في غزة يعمل على تشغيل أحد المولدات الكهربية (أوكسفام)
TT

في ظل أزمة انقطاع التيار الكهربائي، الذي يمتد في عموم أنحاء قطاع غزة الفلسطيني لمدة 18 ساعة في اليوم، صار المولد الكهربائي أحد المقتنيات الأساسية لسكان مدن القطاع ومخيماته. بل يمكن القول إن هذه السلعة غدت عنصرا أساسيا لضمان أداء النشاطات الاجتماعية للناس، الذين يعيشون في ظروف معيشية صعبة تحت سطوة الحصار منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية التي أجريت خلال يناير (كانون الثاني) عام 2006.

الملاحظ اليوم، على سبيل المثال، أن هذه المولدات الكهربائية غدت متطلبا أساسيا قبل شروع الغزيين في تنظيم حفلات الزفاف. وكما عرفت «الشرق الأوسط»، طلب أحمد عبيد (32 سنة)، الذي يقطن منطقة «بركة الوز»، في المنطقة الوسطى من قطاع غزة، من أحد أصدقائه «إعارته» المولد الكهربائي الضخم الذي بحوزته، وذلك لتتمكن عائلته من إحياء حفل زفاف بمناسبة زواج شقيقه محمد. وعلى الرغم من أن عائلة محمد وأحمد تملك مولدا خاصا بها، فإن هذا المولد ينتج طاقة محدودة من التيار الكهربائي، وهذه الطاقة لا تكفي إطلاقا لتأمين التيار اللازم لتشغيل أجهزة الصوت ومصابيح الإضاءة، ناهيك عن بعض الأجهزة المرافقة.

من ناحية ثانية، فإن تأمين مولدات الكهرباء ما عاد فقط أحد متطلبات إقامة حفلات الزفاف، بل إنه بات لدى بعض العائلات شرطا مسبقا قبل موافقتهم على تزويج بناتهم ممن يتقدمون إليهن. وصحيح أن الأغلبية من العائلات لا تشترط وجود المولد الكهربائي، على اعتبار أن معظم العائلات لديها مولدات كهربائية، إلا أن بعض العائلات تكون معنية، مع ذلك بشكل خاص، بـ«الاطمئنان» إلى أن الأشخاص الذين سيرتبطون ببناتهم لديهم القدرة على شراء مولد.

أيضا، لا تقتصر الحاجة إلى مولدات الكهرباء على حفلات الزفاف والأفراح والليالي الملاح، بل هي مطلوبة كذلك، طبعا، لإقامة سرادقات العزاء التي تقام في شوارع غزة إثر حدوث وفيات. وقد كان سلامة أحمد، الذي يقطن المنطقة الوسطى من قطاع غزة، والذي توفيت زوجته مؤخرا، حريصا على أن يهتم أولاده بتأمين البنزين الكافي لتشغيل المولد الكهربائي، الذي يفترض أن يستخدم في إضاءة المصابيح التي ثبتت في سرادق العزاء. والسرادق، كما هو مألوف في غزة وغيرها، من ضرورات مناسبات تقبّل التعازي لذوي الفقيد من الأقارب والأصدقاء والمعارف، والأهالي عموما، في المنطقة.

وهكذا، بشكل عام أصبحت نوعيات مولدات الكهرباء وأحجامها تدل على الأوضاع المادية للغزيين بشكل واضح. فأصحاب الدخل المحدود يقدمون على اقتناء المولدات المصنوعة في الصين، والتي تعطي في الوقت نفسه قدرا قليلا من الطاقة، في حين أن الموسرين وأصحاب المصالح يقتنون مولدات كبيرة ذات طاقات عالية من صنع اليابان أو إيطاليا. وعلى الرغم من أن المولدات تؤدي، في كثير من الأحيان، إلى تلف بعض التجهيزات والأجهزة الكهربائية بسبب قلة انتظام التيار الكهربائي الذي تنتجه، يرى من يزور القطاع أن معظم الغزيين ما عادوا يجدون عنها بديلا. وهنا، لا بأس من الإشارة إلى أن استخدام مولدات الكهرباء أدى إلى مقتل نحو 13 فلسطينيا وجرح العشرات حتى الآن. والسبب هو أنه في بعض الأحيان تنفجر هذه المولدات أثناء وجود أفراد العائلة على مقربة منها. وهذا ما حصل أخيرا عندما لقي طبيب غزي حتفه عندما كان يهم بتشغيل مولده الكهربائي، وقد وقع الانفجار نتيجة ماس كهربائي، وكانت النتيجة المأساوية وفاة الطبيب على الفور. وهناك خطر مميت آخر، هو خطر الموت اختناقا، وهذا حدث مع أفراد عائلة فلسطينية في منطقة خان يونس كانت تغط في النوم بينما كان عادم المولد يسرب الغازات القاتلة إلى غرفة النوم، فتوفيت الأم وقضى معها اثنان من أطفالها.

لكن على الرغم من كل هذه المشاكل والأخطار، لا يرى السواد الأعظم من الغزيين في ظل واقعهم المعيشي الصعب أن هناك بديلا أفضل من هذه المولدات. وخير تعبير عن هذا الحال ما يقوله غسان أبو سمحة، الذي يعمل مدرسا في مخيم المغازي للاجئين، بوسط القطاع، من أنه يشعر بعصبية شديدة عندما ينقطع التيار الكهربائي، لا سيما عندما يلحظ المعاناة التي يتكبدها أولاده عندما يحاولون مذاكرة دروسهم. والذي يزيد الأمور تعقيدا حقيقة أن قطاع غزة يعاني حاليا أيضا من نقص شديد في الوقود، الذي يستخدم في تشغيل مولدات الكهرباء، وبالأخص البنزين والسولار.