«درب البرابرة».. حي المناسبات السعيدة في القاهرة

نشأ مع بداية القرن التاسع عشر ويثير المفارقات في ذاكرة المصريين

درب البرابرة.. سوق المناسبات السعيدة التي تناسب كل الأذواق والميزانيات («الشرق الأوسط»)
TT

يستوقفك اسم هذا الحي «درب البرابرة»، المعروف بحي المناسبات السعيدة بالعاصمة المصرية القاهرة. فلسنوات طويلة، وتحديدا إبان فترة الاحتلال البريطاني لمصر والحكم الملكي، اقترن لفظ «البرابرة» في ذاكرة المصريين بفرق «الهجّانة»، وهم طائفة من الحراس الأشداء كانوا يمتطون الجمال وتُوكل إليهم مهمات تفريق المظاهرات. وكان معظمهم من أبناء أرياف الجنوب المصري.

اليوم، يقبل على هذا «الدرب» معظم المصريين، خاصة، إذا كانوا مقبلين على حدث سعيد كاستقبال مولود جديد، أو يحتاج أحدهم لأن يضع الترتيبات النهائية لعش الزوجية، أو أن يبحث عريس وعروسة عن بطاقة دعوة مميزة لزفافهم، ليتحوّل الدرب من ذاكرة «الآلام» في الماضي إلى سوق كبيرة ترمز سلعها إلى السعادة! وعلى الرغم من اختلاف الروايات حول التسمية الحقيقية لـ«درب البرابرة»، فإنها تنحصر في روايتين أساسيتين: الأولى، ترجعها إلى المتحدّرين من قبائل البربر (أي الأمازيغ) في شمال أفريقيا وبلاد المغرب العربي الذين جاءوا مع جوهر الصقلي أثناء فتح مصر في عهد الفاطميين واستقروا في هذا المكان. والثانية، تربطها بالعمال النوبيين الذين قدموا إلى القاهرة والدلتا مع بدايات القرن الـ19، وكان «درب» هو مكان تجمّعهم وإقامتهم.

بضحكة مرحة، قال محمد صلاح وزوجته شيرين عبادة لـ«الشرق الأوسط»: «نحن أب وأم لأول مرة، وجئنا إلى درب البرابرة لكي نعد مستلزمات (السبوع) (الأسبوع) لمولودنا الأول». وتابع الزوج «الأسعار هنا ممتازة، وتختلف كثيرا عن أسعار المحال المماثلة في المناطق الراقية، مع أن المعروضات واحدة تقريبا. لهذا نأتي إلى هنا. ففرق الأسعار يعطينا فرصة أكبر لشراء المزيد من الأشياء لكي يخرج (السبوع) في أحلى حلة».

وقالت شيرين بسعادة واضحة «أهم شيء.. الغربال»، مضيفة «لا يصلح (السبوع) من غير (الغربال) و(الهون). إنهما من الموروثات المصرية القديمة، و(السبوع) لا طعم له من غيرهما. لقد وجدنا سعر الغربال يتراوح ما بين 25 و60 جنيها، وهناك أشكال كثيرة متطورة منه اليوم كي تناسب تطوّر العصر. أما الشموع، فأسعارها تتراوح بين 5 جنيهات و20 جنيها للدستة (الدرزينة - الدزينة) وفقا لحجمها وشكلها.. لكن كلها جميلة».

المثير في الأمر أن عادات «السبوع»، تحديدا، ما عادت مقتصرة على المصريين فقط. وهذا أمر يلفت إليه كريم فوزي، صاحب محل بيع مستلزمات «السبوع» في الدرب، قائلا «لم نعد نندهش من وجود جنسيات عربية وخليجية في الدرب، فعادة (السبوع) مصرية أصيلة، ولكن الناس في العالم العربي أصبحت تحب أن تحتفل بمولودها على الطريقة المصرية. ومستلزمات (السبوع) التي لا توجد في مصر إلا عندنا، لهذا أصبح لنا زبائن من كثير من الدول العربية».

واستطرد كريم، موضحا، «هدية (السبوع) التي تقدم للضيوف وتكون ذات أشكال متعدّدة ومعها بعض من الفيشار والشوكولاتة والبونبون والحلويات الصغيرة - هي أكثر ما يجذب اهتمام الناس، وأشكالها أيضا تطورت كثيرا اليوم، وتبعا لجنس المولود فإن لكل من الولد والبنت نوع هديته الخاصة وطريقة تغليفها المختلفة». وعن الأسعار قال كريم: «.. نحن بصفة عامة نبيع بسعر الجملة. وتبدأ هذه التحف التي تكون على شكل عروسة لولد أو عروسة لبنت من 25 قرشا (ربع جنيه).. وصولا إلى 20 جنيها. أما أسعار البونبون فتكون ما بين 15 و40 جنيها للكلغ، والشوكولاتة تبدأ أسعارها من 25 جنيها للكلغ وترتفع حتى 70 جنيها».

من جهة ثانية، ساعد حقا على شهرة «درب البرابرة» موقعه بين شارعي الجيش وبورسعيد الرئيسين في حي باب الشعريّة، أحد أقدم أحياء القاهرة. وتصطف في الشارع أو «الدرب» عشرات المحال التي تعرض كل مستلزمات الأفراح والمناسبات السعيدة كأعياد الميلاد وعقد القران والخطوبة والحفلات «التي تناسب كل الطبقات والمستويات الاجتماعية»، كما يقول الحاج أحمد السيد، مالك أقدم محل في الدرب كله. وأردف الحاج أحمد: «لقد أسس والدي هذا المحل عام 1948، وورثته عنه في عام 1975، ونحن منذ ذلك التاريخ نصنع ونبيع كل أنواع الغاتوهات والحلويات والمخبوزات المختلفة، ولا سيما تلك التي تقدّم في المناسبات المختلفة كأعياد الميلاد والأفراح وحفلات (السبوع) وغيرها، ويأتي إلينا زبائن من كل أنحاء مصر وبعض العرب والأجانب الذين يعرفون المكان جيدا».

أما نادر محمد، وهو مالك ومدير أحد معارض النجف (الثريات) والأنتيكات (العاديات)، فيشير إلى أن «النجف يعد ثاني أهم سلعة في درب البرابرة، إذ يأتي إلى المحل كل الذين يجهزون المراحل النهائية من عش الزوجية بحثا عما يناسب منزلهم الجديد». ثم تابع «ورثت المحل عن والدي منذ أكثر من 40 سنة، وأصبحت أعرف كل أنواع الزبائن. هناك من يبحث عن الأشياء (المودرن) العصرية وآخر يبحث عن الكلاسيك، بينما العرسان الجدد يبحثون عن قطع معينة يستكملون بها شقتهم الجديدة».

وأكمل نادر كلامه ليقول: «لدينا هنا كل أنواع التحف والأنتيكات والنجف المصري والمستورد، وتبدأ الأسعار من 25 جنيها مثلا للأباجورات، وأما النجف فمن 80 جنيها وفقا للخامات والموديلات المختلفة، وهذه الأسعار لا تقارن، مثلا، بأسعار السلع المماثلة في الأحياء الراقية كالمهندسين ومدينة نصر والمعادي، وهذا ما يفسر التنوع الطبقي لدينا في الدرب طوال العام».