«مقهى الربيع».. أشهر من نار على علم في القيروان

مشهور بالنارجيلة و «الجزوة» التونسية

TT

كان الطابق السفلي لـ«مقهى الربيع» بوسط مدينة القيروان، في قلب تونس، متخما بالدراجات النارية والهوائية. أما الزبائن فعليهم ارتقاء السلم شبه الحلزوني للوصول إلى المقهى العتيق الذي مر على تأسيسه عشرات السنين.

المقهى لم يشهد في تاريخه الذي يزيد على 5 عقود، كما يقول الزبائن وهم من مختلف الأعمار، أي مشكلة أمنية. وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع صاحب المقهى عبد الحميد حسنات (54 سنة) وهو متزوج ولديه 4 أولاد، «مقهى الربيع مشهور بالشيشة (النارجيلة/ الأركيلة) وهو أنظف مقهى شيشة في المدينة». والواقع أن هذا المقهى مشهور بجانب «الشيشة» بأنواع من القهوة، ولا سيما «القهوة العربية» التي تحضر في الدلة، ويسميها التونسيون «الجزوة». ثم هناك أيضا الأنواع الغربية مثل القهوة بالشوكولاته والقهوة بالحليب والإسبريسو والكابوتشينو.

هنا، في كل جنبات المقهى، الطاولات نظيفة، توزع عليها مرتادوه، كل يمارس ألعاب التسلية التي تروق له في مثل هذه الأماكن، ويتناقشون ضاربين أحيانا على الطاولات باعتداد كما لو كانوا أعضاء في برلمان يبسطون حججهم ويحاججون نظراءهم بأدلة الانتصار.

وفي إحدى زوايا المقهى ارتفعت بعض الأصوات ثم خمدت، الأمر الذي أثار فضولنا، لكن حسنات بادرنا بالقول، من دون أن يلتفت بنبرة الخبير: «إنه لأمر بسيط. أحد المنتصرين استفز الآخرين فارتفعت بعض أصواتهم غيظا.. لم يستطيعوا كتمه». وأردف: «المقهى عالم صغير تتعرف فيه على طبائع الناس، وعندما يأتي شخص جديد إلى المقهى أعرف من ملامحه من أي صنف هو».

مرتادو المقهى، ولا سيما من يمارسون ألعاب التسلية وعلى رأسها ألعاب الورق (الكوتشينة)، ليسوا بالضرورة من العاطلين عن العمل الذين يقضي بعضهم - وبالأخص الكهول منهم - معظم وقتهم في المقاهي، «وهذا مع أن كثيرين منهم لا يعودون إلى منازلهم إلا عندما يحين موعد الغداء أو العشاء، أما فطور الصباح فيتناولونه قبل الخروج إلى المقهى». لم يكن المقهى عند دخولنا إليه مكتظا، وهذا ما دفعنا للاستفسار عن السبب، مع تذكر أنه - كما يقال - أشهر من نار على علم في القيروان، فأجاب حسنات: «الآن موعد القيلولة، وكثيرون من الموظفين ما زالوا في مقار أعمالهم، ولا يوجد أمامكم هنا سوى بعض الطلبة وبعض المتقاعدين أو العاطلين عن العمل». ومضى شارحا: «في هذا المقهى تنصهر الأجيال كلها، فليس لدينا مكان لكبار السن وآخر للشباب وآخر لفئة أخرى من الناس. الجميع يتحاورون من دون عقدة السن... ولكن قبل أن أنسى، نعم.. لدينا مكان لغير المدخنين».

من ناحية ثانية، «مقهى الربيع» من المقاهي التقليدية القليلة التي جُعلت في مكان مرتفع، في حين أن معظم المقاهي في تونس يخصص لها الطابق السفلي، وأحيانا تأخذ جزءا كبيرا من الممرات والشوارع داخل المدن. وهذا ما ينطبق غالبا على مقاهي «المدن العتيقة» في العاصمة تونس أو سوسة أو صفاقس وغيرها. بيد أن هذا الوضع يتغير في «مقهى الربيع» عند حلول شهر رمضان، وهنا يشرح صاحبه قائلا: «في رمضان يسمح لنا أصحاب المحلات على الشارع بوضع طاولات وكراسي على الأرصفة بعد المغرب لاستقبال الزبائن، الذين تتضاعف أعدادهم وتتضاعف رغباتهم، وبعضهم يسهر حتى الساعات الأولى من الفجر».

على جدران المقهى علقت بعض الصور، ومعها قوارير وخراطيم «الشيشة»، ولكن معظم تلك الخراطيم كان على منصة المقهى.

وكان من اللافت للانتباه «مجمرة» مملوءة بالجمر حتى لا تكاد ترى سواد الفحم، وهناك من يقوم على تعمير «الشيشة» ووضع الجمر، وتغيير المصافي البلاستيكية في مقدمة الخراطيم عند مناولتها للحرفاء.

وكان من الطريف الاستماع لبعض الزبائن وهم يتجاذبون أطراف الحديث وهم يدخنون «الشيشة»، إذ قال أحدهم: «الدخان ممنوع في الدول الأوروبية». فرد عليه جاره: «الدول الأوروبية ليسوا نحن.. أولئك مولودون في القطن». ثم يعلق آخر: «هل تقصد أن الدخان غير مضر؟». فيأتيه الرد: «الدخان مضر.. لكن الشيشة غير مضرة، ولكن حتى إن كانت مضرة.. فأي خسارة للعالم بموتنا»!!! كان الحوار طريفا طال على نفس المنوال، وفي الوقت ذاته جمع متناقضات كثيرة.

لم يذكر حسنات ما يجنيه يوميا من المقهى، مكتفيا بالقول: «كل يوم وقسمته». غير أنه عاد فأوضح أن «أوقات الذروة في المساء وبعد صلاة العشاء».

وفي الختام، سألناه عن سر الإقبال، فابتسم وقال: «حسن الاستقبال، والحرص على إبعاد العناصر الفوضوية، ونظافة المكان. قبل أن أغلق المقهى أحرص على تنظيفه جيدا».