لبنانية تتفوّق على زوجها في تصليح الدراجات النارية.. وتجعله معاونا لها

تشكل نموذجا فريدا للمرأة المنافسة للرجل في مهنته

سميرة طاهر حسن تصلح محرك إحدى الدراجات النارية بمعاونة زوجها («الشرق الأوسط»)
TT

قوة زندها تساوي قوة زند الرجل، أما الشحم والزيوت فهما طلاء أظافرها ومرطب كفّيها، يدها بيد زوجها ضربة منها وضربة منه لإصلاح أعطال الدراجات النارية.

في كراج سميرة، المخصّص لتصليح الدراجات النارية في منطقة طريق الجديدة، بالعاصمة بيروت، تتجلى المساواة بين المرأة والرجل، ففيه استطاعت سميرة اختزال مفهوم المساواة بدخولها معترك عمل مخصّص عادة للرجال.

«الشرق الأوسط» التقت سميرة طاهر حسن، التي شرحت سيرها في هذا الطريق، قائلة «باشرت العمل بهذه المهنة منذ 35 سنة. كانت تشكل طموحي آنذاك، فضلا عن رغبة تملكتني باكتسابها، لا سيما أن زوجي كان يزاولها في فترة الحرب الأهلية». ولكن، اليوم لا تنحصر خبرة سميرة بتصليح الدراجات النارية، بل تتعدّاها لتشمل أيضا تصليح مولّدات الكهرباء من الحجم الصغير، ومحرّكات الآليات البحرية بما فيها محركات اليخوت والقوارب على أنواعها.

الفكرة لم تكن في البداية محل ترحيب من قِبل عماد كنعان، زوج سميرة، الذي أوضح: «كنت أومن أن مكان المرأة الطبيعي هو المنزل وليس هنا. ولطالما تشاجرنا حول الأمر، وتلقيت سيلا من الانتقادات، لكنني تجاهلتها في نهاية المطاف تحت ضغط الظروف المعيشية، وبخاصة، بعدما أثبتت سميرة تفوقها في المهنة. وأنا اليوم فخور بها وممتنّ لها لوقوفها إلى جانبي».

موقف الزبائن لم يكن أفضل حالا من موقف زوج سميرة في بادئ الأمر. وكان الرفض يأتي على ألسنتهم بصيغ متنوعة، ليكون جوابه: «إذا كنتم تريدون اختبارها فعليكم منحها بضع ساعات، وأطمئنكم أن النتيجة ستنال إعجابكم».

ولدى عودة الزبون ورؤيته سميرة تضع لمساتها الأخيرة، يلاحظ أن الدراجة أصبحت على خير ما يرام فيسعد للنتيجة، ويؤكد لها بعفوية أنه أصبح منذ اللحظة زبونا من زبائنها بعد هذه التجربة.

زبائن سميرة من مختلف الأعمار، معظمهم من كبار السن نظرا للراحة والخدمة الجيدة التي يجدونها في كراجها، ومنهم من يفضل مراقبتها أثناء العمل.

من معظم المناطق اللبنانية يقصد الزبائن «صاحبة المهمات الصعبة» - كما لقبها بعض الزبائن - ولا سيما من شرق بيروت، ومن جبيل وجونيه وطرابلس، وكذلك من صيدا وجبل لبنان، بهدف إجراء تصليح دراجاتهم أو لشراء قطع الغيار والإكسسوار لها، أو بغية تصليح مولداتهم الكهربائية.

كيف اكتسبت سميرة ما اكتسبته بمساعدة زوجها؟

تقول: «جزء من الفضل عائد إلى فضولي وإرادتي الحديدية في تعلم مهنة قاسية في ممارستها وأيضا في نوعية كثيرين من زبائنها. ولقد بدأت بمناولة زوجي ما يحتاجه من معدّات أثناء العمل، وتدريجيا صار يعتمد علي في إجراء بعض التصليحات، إلى أن سمح لي فضولي وطموحي بالغوص في معظم خفايا هذه المهنة».

وحقا، باتت سميرة، وهي أم لفتاة في الـ21 من عمرها، معروفة في الحي حيث تعمل بلقب «المعلمة سميرة»، وأصبح كراجها يستعمل كعنوان مساعد، يسهل على من يقصد الحي لأول مرة الوصول إلى الشخص الذي يقصده.

تخصّص سميرة طاهر حسن نحو 10 ساعات لمهنتها. وهي من فرط إخلاصها لها، وإيمانا منها بأن سر «المصلحة».. هو الصدق والثقة بالنفس ونيل ثقة الزبون بهدف اكتسابه» تجد نفسها أحيانا مضطرة للبقاء حتى العاشرة مساء في سبيل إنجاز أعمالها.

وهنا تؤكد سميرة أن ما يميّز زبونا عن آخر هو أسلوبه في التعاطي معها، مشدّدة على أن «الاحترام من الأمور التي لا تطلب بل تفرض فرضا، خاصة، في ظل اعتماد البعض أسلوبا وعبارات غير لطيفة»، مما يدفعها إلى طرده دون تردّد على أساس أن «الرزق على الله».

في أرجاء كراج سميرة يستوقفك ببغاء داخل قفصه، مما يدفعك إلى السؤال عن سبب وجوده. فيأتي الجواب «أنا أهوى اقتناء الكلاب الصغيرة والقرود والعصافير، واليوم وقع اختياري على الببغاء، يؤانسني أثناء تناولي فنجانا من القهوة مع زوجي. إن وجوده كفيل بتهدئة أعصابنا والتخفيف من الهموم والتعب عن كاهلنا».

وحقا، فإن جرأة سميرة دفعتها إلى خوض عدد من التحديّات والمغامرات منذ انطلاقة مسيرتها المهنية، أبرزها أنها كانت تستقلّ دراجتها النارية - وما زالت - للانتقال إلى المنطقة الشرقية من العاصمة، بغية شراء قطع الغيار المطلوبة إبان احتدام الحرب الأهلية اللبنانية وتبادل إطلاق النيران والقصف المدفعي، من دون أن تسمح للخوف بالتسلل إلى أعماقها متسلّحة بعبارة «توكلت على الله، وبه أستعين».

ومن الطرائف التي لا تغيب عن بال سميرة أنها قصدت بثياب العمل وكالة شركة «كاواساكي» عام 1979، لشراء قطع منها، فسمعت أحد الموظفين يقول لها «الله يعطيكي». فجنّ جنونها عليه، وردت بحدة أنها ليست «متسولة» بل زبونة. وعلى الأثر، تدخّل المدير وعالج المشكلة، سائلا إياها عن مهنتها، وهو ينظر إلى ثيابها. فأجابته بأنها تعمل في تصليح الدراجات النارية والمولّدات الكهربائية، فكان ردّه «هذه أول مرة أصادف امرأة قوية وجريئة مثلك، ومنذ ذلك الحين أصبحت من أهم زبائن الشركة».

واليوم باتت سميرة، بحسب ما يؤكد زوجها «تتمتع بخبرة عالية فيما يتعلق بقياسات قطع الدراجات النارية والمولدات الكهربائية الصغيرة وأنواع هذه القطع وأسعارها، رغم أن بعضها معروف بدقته وحساسيته، مما جعلها محط إعجاب العديد من تجار هذه القطع في العاصمة».

وفي الختام، تقول سميرة إن المرأة «قادرة على منافسة الرجل إذا ما عرفت كيف تدبر أمورها وتديرها بحنكة وذكاء وبإرادة مصحوبة بطول البال».