بيروت: الشارع الملقب بـ«تروكاديرو الشرق».. يستعيد أيام عزه

جمعيات ومؤسسات تعيده إلى الواجهة تحت عنوان «الجعيتاوي عالبال»

الجعيتاوي.. أو «تروكاديرو الشرق» يستعيد ألقه («الشرق الأوسط»)
TT

استعاد شارع الجعيتاوي في منطقة الأشرفية، شرق العاصمة اللبنانية بيروت، أخيرا، حيويته ونشاطه في مهرجان نظمه الأهالي تحت عنوان «الجعيتاوي عالبال»، بمساهمة عدد من الجمعيات والمؤسسات البيروتية التي أخذت على عاتقها ترميمه وتجديده بعد إهماله لأكثر من عشرين سنة.

الشارع البالغ طوله نحو 1.5 كلم لقّب في الماضي بـ«تروكاديرو الشرق» تيمنا بميدان «تروكاديرو» - المعلم السياحي الشهير في العاصمة الفرنسية، الذي يطل عليه برج إيفل، إذ كان مقصد كل سائح أو زائر يقصد لبنان، وبالذات منطقة الأشرفية المعروفة كمركز تجاري مهم في شرق بيروت، لما يضمه من محلات تجارية ومكتبات ومطاعم.

لم يشهد هذا الشارع منذ بداياته السكون والهدوء كغيره من الشوارع البيروتية القديمة، إذ عمد سكانه وغالبيتهم من الجالية الأرمنية إلى تحويله إلى شارع ينبض بالحياة من خلال المحلات التجارية التي تتوزع على امتداد مساحته الصغيرة. كذلك شكّل مركزا طبيا لاحتضانه مستشفيين كبيرين هما: «مستشفى القديس جاورجيوس» المعروف بـ«مستشفى الروم (الأرثوذكس)» - وهو اليوم المركز الطبي الجامعي لجامعة البلمند (الأرثوذكسية) التي يقع حرمها الرئيس في الكورة قرب مدينة طرابلس عاصمة شمال لبنان، والثاني مستشفى الجعيتاوي تيمنا باسم مؤسسها وهو كاهن من آل الجعيتاوي، كان أحد أبرز سكانه في عقد الستينات من القرن الماضي.

اشتهر عن هذا الشارع ازدحامه الدائم بالسيارات التي تمر فيه منذ ساعات الصباح الأولى وحتى ساعات متأخرة من الليل، لكونه خط سير عام يربط ما بين غالبية شوارع منطقة الأشرفية. فمن خلاله، بإمكان المارّ فيه ملامسة شوارع عدة في المنطقة كالسيوفي والتباريس ومار مخايل والحكمة وساسين وغيرها، وصولا إلى منطقة الدورة، التي تعد عقدة المواصلات الأهم والأكبر عند مداخل بيروت من الجهة الشمالية الشرقية، وهي التي تؤمّن وسائل النقل إلى مختلف المناطق اللبنانية. ثم إن من متفرعات شارع الجعيتاوي شوارع عدة بينها شارع حي الرميل، حيث يقع البيت المركزي لحزب الكتائب اللبنانية، وفسّوح الذي شهد انهيار أحد مبانيه منذ فترة.

لقد عرف شارع الجعيتاوي «عصره الذهبي» في الثمانينات من القرن العشرين، وكان الشارع الوحيد في منطقة الأشرفية الذي لم يتأثر سلبيا بالحرب اللبنانية وتداعياتها، فكانت مؤسساته ومحلاته التجارية تستقطب اللبنانيين من مختلف المناطق، لما تتمتع به من تنوع في منتجاتها ومعروضاتها كالثياب الجاهزة والإكسسوارات والمفروشات والمكتبات ومحلات الحلويات والمطاعم. وبالتالي، كان شارعا لا ينام قبل ساعات متأخرة من الليل، خصوصا في المناسبات والأعياد.

وهنا تقول جورجيت الحلو، إحدى سكان هذا الشارع منذ خمسين سنة: «لقد كان هذا الشارع بمثابة المتنفس الوحيد لنا أيام الحرب، وكنا لا نفوّت يوما من دون أن ننتقل في أرجائه لاختيار هدية لصديقة أو ثياب لأولادنا أو أدوات تجميل وماكياج أو أحذية وإكسسوارات».

أما حليم حبيب، الذي عاش بدوره في هذا الشارع منذ نعومة أظافره، فقال لـ«الشرق الأوسط» متحدثا عن ذكرياته القديمة «كنت وأصدقائي نتجول فيه وكأننا نتجول داخل منازلنا. كنا نعرف كل زاوية فيه، وكانت أجمل لقاءاتنا تتم في حديقته، حيث كنا نلعب الكرة أو (الطاسة) أو (الغمّيضة «الاستغمّاية»)..».

من ناحية أخرى، تعتبر حديقة الجعيتاوي المعروفة بـ«حديقة الشهيد وليم حاوي» من المساحات الخضراء النادرة في منطقة الأشرفية، وتبلغ مساحتها نحو الـ400م مربع وتحلو فيها لقاءات الأصدقاء والمسنين والأطفال والأحباء، وهي على الرغم من صغر مساحتها نالت شهرة واسعة في منطقة الأشرفية التي يمر بها شارع الجعيتاوي.

بيار أشقر، أحد المسؤولين في «جمعية منى بسترس» البيروتية التي تهتم بإعادة ترميم شوارع بيروت القديمة، قال لـ«الشرق الأوسط» شارحا أن الجمعية التي ينتمي إليها، بالإضافة إلى جمعيات أخرى، «أخذت على عاتقها إعادة تشجير حديقة الجعيتاوي وتجديدها، وفعلا جرى طلاؤها وتنظيفها، ووضعت فيها مقاعد حديدية جديدة. كذلك زرعت الأزهار في أحواضها والمستديرة التي تتوسطها. وهكذا عادت تستقبل جميع سكان الشارع ومتفرعاته، كما صارت عنوانا لحفلات موسيقية وتوقيع كتب وغيرها من المناسبات العامة التي يمكن أن تنظّم فيها».

ثم علّقت رين عبد النور، مختارة (عمدة) الرميل في منطقة الجعيتاوي وصاحبة فكرة إعادة إنهاض الشارع وتأهيله لا سيما أنها ولدت وتربت في المحلة التي يخترقها - قائلة «أتذكر شارع الجعيتاوي شارعا صاخبا يضج بالحيوية، يوجد فيه كل يخطر في البال. لقد كان يحتوي أول سوق تجارية في الأشرفية». وأردفت «اللافت أن هذا الشارع، بعكس الشوارع البيروتية الأخرى، ازدهر أثناء الحرب، لكنه فقد وهجه تماما عندما هدأت الأوضاع واستتب الأمن. وهذا ما دفعني، في الحقيقة، لوضع خطة تهدف إلى إنعاشه من جديد، وبخاصة أن غالبية سكانه باتوا غرباء.. والسبب أن أسعار الشقق والعقارات فيه صارت مرتفعة للغاية، وهو ما فرض على أهله الأصليين مغادرته بعدما شهد نهضة عمرانية كبيرة تجاوز فيه سعر عقار ذات مساحة 120م مربع الـ400000 دولار أميركي». وأضافت «المختارة» عبد النور «.. لقد استطعت بفضل مساهمة مشكورة من عدة جمعيات بيروتية، كـ(لوغوس) و(هامازكايين) و(جمعية منى بسترس)، ترميم هذا الشارع، فأعيد طلاء مبانيه وجرى تغيير لافتات المحلات التجارية وتجديد حديقته. وطبعا تطلب هذا نفقات مادية لا يستهان بها، ومن ثم أقمنا مهرجانا شارك فيه عدد من الفنانين اللبنانيين وقدمت خلاله نشاطات للأطفال وغيرها.. مما جعل الشارع ينبض بالحياة من جديد، وهذا ما ننوي فعله سنويا».

اليوم يحمل شارع الجعيتاوي هوية حديثة. فالحملة الترويجية الأخيرة التي نظمت لإنهاضه من كبوته حملت عنوان «المشوار بشارع الجعيتاوي رح يكون محطة.. مش مَرقة طريق (أي المرور سيكون محطة وليس مرورا عابرا)». وحقا صار بإمكان زائر المحلة الحصول على كتيب يحمل لائحة أسماء المحلات والمؤسسات التجارية والمستشفيات ودور العبادة وعناوينها، بجانب المرافق العامة التي يضمها. وتجري حاليا الاتصالات مع بلدية مدينة بيروت، الغاية منها إنشاء مواقف سيارات ضخمة جديدة من شأنها تسهيل ركن سيارة من يقصدها.