صيد القنافذ في بعض مناطق المغرب.. رواج ومنافع

كثيرون يعتقدون أن لحمها يعالج السعال وضيق التنفس والربو

القنفذ.. يشهد لحمه رواجا في المغرب («الشرق الاوسط»)
TT

خلال هذه الفترة من كل سنة تخرج أعداد كثيرة من القنافذ ليلا خاصة في مناطق شمال المغرب. وعلى الرغم من أن القنفذ حيوان ليلي لا يستكين إلى النهار، فإن المفارقة في أمر هذا الحيوان أن اصطياده يكون سهلا حتى في الليل، من طرف الباحثين عنه. مع العلم أن القنفذ بمجرد أن يسمع صوتا غريبا، يتدحرج ويتكور ويصبح شكله مثل الكرة.

لقد أصبح هناك كثيرون في الآونة الأخيرة يبحثون عن القنافذ بعدما راج على نطاق واسع الاعتقاد أن في أكل لحمها عدة فوائد للإنسان، خاصة على مستوى معالجة بعض الأمراض المزمنة، وهذا مع أن الأطباء لا يجزمون بذلك.

منطقة وزان، بجنوب جبال الريف بين مدينتي تطوان وطنجة، صارت تشهد في الآونة الأخيرة، مجيء أشخاص غرباء عن المنطقة يرشدهم إليها أبناؤها المقيمون في المدن الأخرى، ويأتي هؤلاء على شكل مجموعات متفرقة إما في رحلات صيد لاصطياد القنافذ أو لشرائها من الصيادين المحليين. ويتحدّر معظم الباحثين عن القنافذ من الدار البيضاء والرباط، وهم في الغالب من مرضى ضيق التنفس والرّبو. الأمر الذي حفز عددا من شباب المنطقة ممن استرعى اهتمامهم موضوع رواج بيع القنافذ، إلى تربيتها بحثا عن عائدات مادية مهمة تدرّها عليهم. وبما أن هؤلاء يبيعون أيضا حبوب نبات «الخلة» - يسمى في المغرب «البشنيخة» - الذي ينمو بكثافة هنا، وكذلك يبيعون الحلزون، شهدت الأوضاع المادية في المنطقة انتعاشا ملموسا. مع الإشارة إلى أن سعر القنفذ يبلغ حاليا مائة وخمسين درهما (18 دولارا أميركيا) وفي بعض الأحيان يحصل هؤلاء الشباب على مبالغ أكبر، تبعا لسخاء المشتري.

تستغرق تربية القنافذ في منطقة المجاعرة مدة قصيرة، لا تتعدى فترة الأسبوعين. وبالتالي، إذا لم يجد المربّون مَن يشتريها منهم فإنهم يأكلونها هم أنفسهم، وعزا أحد شباب المنطقة ذلك إلى صعوبة مراقبة القنفذ لفترات طويلة، لأنها يمكن أن تهرب بسهولة.

ويقول عبد اللطيف ازريبة، أحد هؤلاء الشباب «تكاد لا تمل هذه القنافذ من البحث لإيجاد منفذ للهرب. إن القنفذ حيوان ذكي وسريع، كما أنه يتمتع بقوة كبيرة في حمل الأثقال بشوكه». وأوضح ازريبة «ثمة طريقتان لهروب القنفذ من الأسر، أولاهما أنه يحاول البحث عن فتحة للخروج سواء كان داخل القفص أو وضع فوقه صندوق خشبي، وهو أثناء اكتشافه للمكان الذي وضع بداخله (سجنه المؤقت) يبدو بطيئا، غير أنه بمجرد تركه في مكان مفتوح يهرب بسرعة في غفلة من الصيادين. أما الطريقة الثانية فهي أن يستعين القنفذ بقوته إذ يدخل بجلده تحت أي شيء ثقيل فوقه ويرفعه بأشواكه، فيتسلل ويهرب».

وتبدأ رحلة البحث عن القنفذ في منطقة المجاعرة، جنوب مدينة وزان، بعد مشاهدة آثاره سواء خطى أقدامه الصغيرة المعروفة من شكلها، أو من خلال روثه الذي يتكون غالبا من بقايا الحشرات. وعندها يجري التربّص به ليلا حيث وجدت آثاره. وهنا يقول عبد السلام افريطو، وهو رجل في عقده السابع من قرية الهواوس، بمنطقة المجاعرة، عن ذكرياته في اصطياد القنافذ «إن صيد القنافذ من أسهل ما يكون. فإذا رأيت القنفذ ليلا قبضت عليه بسهولة، ذلك أنه عند التربص به أثناء الليل، يكفيك فقط أن تقترب منه أو ترمي حجرا صغيرا عليه فيتكوّر ويتوقف في مكانه مثل كومة شوك». غير أن افريطو لم ينف صعوبة الحصول بعد ذلك على لحمه بعد الذبح.

ولكن لا بد من ذكر أن صيد القنافذ وأكلها لا يقتصران على هذه المنطقة بل هما معروفان في أنحاء أخرى من المغرب. ويقول العارفون، من ناحية أخرى، أن هناك غير طريقة لصيدها، فمن الناس من يفضل أن يخرج ليلا رفقة كلاب الصيد التي تدعى في هذه المنطقة «القاني» - وهو الكلب المتخصص في صيد الحيوانات البرية -، وعادة تبدأ رحلة الصيد بعد العشاء، وبمجرد أن تطلق الكلاب وتسمعها تنبح، يدرك الصيادون أنها عثرت على القنافذ. ومنهم من يصيد أزيد من سبعة قنافذ في الليلة الواحدة، إذ توفر المنطقة بمرتفعاتها التي تكثر فيها الأشجار أماكن جيدة للصيد، إضافة إلى نزوح القنافذ من الغابات نحو السكان بحثا عن أكلها.

وتوجد القنافذ، عموما، في المناطق التي تكثر فيها الأشجار القصيرة والملتوية والأعشاب والصبار. وهي تتغذى على الحشرات والديدان وبعض الزواحف، إضافة إلى بيض الطيور والبطيخ والثمار. ويتذمر أهالي القرى كثيرا من القنافذ، لأنها تضر بمزروعاتهم وتأكل صغار الدجاج والبيض. ومن جانب آخر، تعرف القنافذ أنها تقهر معظم الحيوانات التي ترغب في أكلها، فهي تعارك الثعابين والأفاعي والثعالب وغيرها من الحيوانات التي تنتشر بدورها في منطقة المجاعرة، خاصة في جبالها الغابوية مثل جبل كراز، حيث تستعمل أشواكها الصلبة وهي أشواك غير سامة لإرهاب خصومها.

الذين يأكلون القنافذ يقولون إن طعم لحمها شبيه بلحم الأرانب، وهم يأكلونه مشويا بعد أن يضيفوا إليه بعض التوابل، في حين تفضل بعض النسوة طهو القنفذ كما تطهو الأرانب مع الملوخية، أي مع بعض الخضر. وأصعب لحظة في هذه العملية هي عملية ذبح القنفذ لأنه يخفي رأسه عندما يشعر بالخطر.

وتقول زهرة الحساني، وهي في عقدها التاسع وبقيت لها ست سنوات ليصل عمرها إلى قرن كامل، «لقد كنت أطهي القنفذ مع المرق فقط، إلا أنني أكثر من الثوم وأضيف بعض الخضر لأن لحمه له نكهة قوية جدا». ثم تضيف «كنا نفضله على لحم الغنم نظرا لفوائده الكثيرة في علاج عدة أمراض مثل السعال والرّبو والبهاق».