آسفي المغربية تهدي الفرنسيين في عيدهم الوطني قاربا اندثر

«أغاربو» رفع من الخدمة منتصف الأربعينات ولم يعد موجودا في أي مكان

عملية بناء القارب «أغاربو» في ميناء آسفي جنوب الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
TT

تجري حاليا في حوض بناء السفن بميناء آسفي، جنوب الدار البيضاء، عملية بناء قارب مماثل من حيث الشكل لقارب قديم اندثر كان يسمى «أغاربو» أو «أكارابو» أو «الكارب» وهي جميعا كلمات كما يبدو مشتقة من كلمة «قارب» العربية. وستقدم مدينة آسفي المغربية هذا القارب كهدية رمزية للشعب الفرنسي في 14 يوليو (تموز) المقبل بمناسبة العيد الوطني الفرنسي. وسيتزامن ذلك الحدث مع تاريخ انعقاد الملتقى البحري في دورته العشرين، في مدينة بريست (شمال فرنسا)، وخلال هذا الملتقى سيكون المغرب ضيف شرف حيث ستمثل مدينة آسفي الشريط الأطلسي على أن تمثل مدينة الحسيمة شمال المغرب الساحل المتوسطي. وكانت شواطئ الحسيمة محطة أساسية في الملاحة البحرية على البحر الأبيض المتوسط منذ قرون.

وحول عملية صناعة القارب التقليدي «أغاربو» يقول عبد اللطيف الحطي رئيس المجموعة التي تعمل حاليا في تصنيعه: «القارب الذي يتم تصنيعه نموذج لقارب تقليدي اندثر منذ منتصف القرن الماضي حيث ظل يعمل بميناء آسفي إلى حدود 1946. وبعد تلك الفترة ظهرت قوارب عصرية، مشيرا إلى أن القارب يعاد بناؤه بنفس المواصفات والمعايير التي كانت في السابق، حيث يبلغ طول القارب 8 أمتار ويبلغ عرضه مترين ومساحته 22 مترا مربعا. ويستعمل في القارب خشب مأخوذ من أشجار «الكالبتوس» وخشب «الريخة» الذي يعرف أيضا باسم «الصنوبر الأحمر»، وتهدف العملية إلى إبراز مهارة الصانع المغربي المختص في بناء القوارب التقليدية.

يشار إلى أن فكرة إنجاز القارب «أغاربو» جاءت بعد أن عثرت الباحثة والخبيرة المغربية ليلى مزيان أستاذة التاريخ البحري المغربي على رسوم لذلك القارب ضمن محتويات عدد خاص من مجلة «هسبريس» العلمية كان قد صدر عام 1923. وهو ما أتاح لكل من «المعلمين» عبد اللطيف الحيطي وحسن الجري بميناء آسفي من إنجاز تصاميم لهذا المركب الذي اندثر ولم يعد موجودا في أي مكان.

وبشأن الملتقى البحري الذي سينعقد في مدينة بريست الفرنسية، قال الدكتور سعيد لقبي عضو اللجنة المحلية لـ«الشرق الأوسط»: «إن الهدف المتوخى من اللقاء يتمثل في إتاحة فرصة للبلدان الأجنبية للتعرف على الموروث الثقافي البحري المغربي، خاصة بمنطقتي آسفي الأطلسية والحسيمة المتوسطية، وهما المدينتان المغربيتان اللتان ستشاركان في هذا الملتقى البحري العالمي»، وزاد موضحا: «سيحظى المغرب في هذا الملتقى بلقب (ضيف شرف) الذي ينعقد مرة كل 4 سنوات، إلى جانب كل من إندونيسيا والمكسيك والنرويج وروسيا، وهو أمر له دلالته وإقرار بالتاريخ البحري للمغرب». وقال لقبي: «إن تمثيل مدينة آسفي سيكون على شكل قرية على مساحة ألف متر مربع، وهي عبارة عن متحف بحري مفتوح بميناء بريست يتوقع أن يصل عدد زواره إلى مليون زائر. وأشار إلى أنه سيتم استعراض عدد من المظاهر التقليدية في هذا المعرض مثل قوارب الصيد ومنتجات وتراث محلي بما في ذلك فنون الطبخ في آسفي، وخاصة الكسكسي المغربي والطاجين السمك الآسفي».

ويتضمن برنامج الملتقى عروضا خاصة بالذاكرة الثقافية (ذاكرة المكان على الخصوص) ومداخلات متنوعة تبرز أهمية ميناء آسفي والوقائع التاريخية التي شهدها في العالم القديم، منها مداخلة خاصة عن رحلة «رع الثانية» التي انطلقت في السابع عشر من مايو (أيار) عام 1970 من ميناء مدينة آسفي والتي كتب لها النجاح بعد 75 يوما من الإبحار، على قارب صمم على طريقة بناء السفن المصرية القديمة من ورق البردي الذي كان مادة أساسية في العصر الفرعوني، وكانت مدينة آسفي اختيرت لانطلاق رحلة «رع الثانية» كما قال وقتها العالم النرويجي ثور هيردهال الذي نظم وأشرف على تلك الرحلة، لأنه يوجد بها أقدم ميناء أفريقي على الساحل الأطلسي، بعد جبل طارق، كما أن آسفي كانت معروفة في العالم القديم. وسيكون العرض الثاني حول معجم أسماء السمك في مدينة آسفي سيلقيه الباحث عبد الرحيم العطاوي، حيث سيتناول مجموعة من المفردات الموحدة والمتداولة لأسماء السمك في عدد من الدول العربية ومعظمها ما زال مستعملا في المغرب، خاصة في شمال البلاد، أما المداخلة الثالثة فستكون من طرف المؤرخ حميد التريكي حول التاريخ البحري المغربي.

ومن المفارقات أن يوم 14 يوليو، وهو تاريخ العيد الوطني الفرنسي، من عام 1954 كان فألا حسنا على صيد السردين في ميناء آسفي، حيث ظهر السردين في ذلك اليوم بكثرة بعد طول غياب، ونشرت وقتها صحيفة «لافيجي» التي كانت تصدر بالفرنسية خلال تلك الحقبة من الدار البيضاء، تقريرا حول تلك المصادفة.