تونس: سلال الزفاف في قصر هلال.. مصنوعات تقليدية مفضلة للمناسبات السعيدة

لم تتغير العادات.. بل تطورت

بستان سلال وشموع داخل محل فيه من كل الأشكال والألوان («الشرق الأوسط»)
TT

تشتهر مدينة قصر هلال التونسية بالصناعات التقليدية، ولا سيما الأقمشة، حتى أصبحت قبلة أنظار كثرة من التجار والباحثين عن أسعار مناسبة لما يحتاجون إليه من ضروريات تفرضها المناسبات المختلفة. وبين المناسبات المهمة التي تقصد منتجات قصر هلال من أجلها مناسبات الزواج التي تستدعي اقتناء سلال بعينها أشبه ما تكون بالمهد الذي يوضع فيه الرضع، وما يتبعها من شموع وحناء ومكسرات وغيرها.

كان محل كمال النايلي، الذي يعمل في متجره منذ 30 سنة، أشبه ببستان جميل، وقد زين بسلال حناء العرائس والشموع من مختلف الألوان والأنواع، بعضها في شكل لولب وبعضها الآخر في شكل مزهريات وتحف، وهناك مراوح يدوية تستخدمها العرائس عندما يكون الجو حارا في أماكن غير مكيفة الهواء. في مكان آخر توجد أوانٍ وزجاجات جرى تزيينها بشكل يسحر الأنظار.

لا يحتاج زبائن النايلي إلى تغليف الفواكه الجافة والمكسرات التي يوزعونها على المدعوين في حفلات الزفاف والخطوبة، بمعدل قطعة (ملفوفة) لكل شخص، بل يجدونها مغلفة بأشكال رائعة وألوان من الأغلفة الزاهية.

وفي محل النايلي الذي زارته «الشرق الأوسط» لا يقتصر الأمر على اللفائف، بل هناك شموع مختلفة الألوان والأشكال، سلال من الخيزران المستورد من هونغ كونغ، وخلال حوارنا معه قال: «ليست جميع سلال العرائس مخصصة لوضع الفواكه والغلال الجافة والمكسرات فحسب، بل هناك سلال خاصة بوضع الورق الذي يوزع مع الحلويات بعد تناول الأطعمة الدسمة أو من دونها»، مضيفا أن ثمة سلالا خاصة بمصوغ العروسة.

والحق أن باعة هذه السلال يتفننون في طريقة تغليف المكسرات، حيث يبدو بعضها كأضاميم ورق أو باقات من الياسمين، وهكذا يظهر كمال النايلي لزبائن محله كما لو كان في حديقة طبيعية. وهنا علق شارحا عن سلال كانت قريبة منه: «هذه السلال خاصة بالمصوغ، فعندما تذهب الأسرة لخطبة فتاة لابنها تضع المصوغ المشترى في مثل هذه السلال من دون أن تخرجه من علبه الخاصة». وتابع: «كذلك توجد سلال لوضع الحلويات، وهي تحتل موقعا وسطا بين السلال المعروفة والصناديق التقليدية. ثم هناك سلال خاصة بحناء العروسة وفيها جميع ما تحتاج إليه، بما في ذلك الحناء طبعا، والجوارب التي تلبسها واللاصق الذي يحدد موضع الحناء في حواف الرجلين».

في محل النايلي ترى سلالا مختلفة الألوان والأشكال، منها سلال شعبية رخيصة الثمن، وأخرى سلال تستخدم في صناعتها مواد غالية الثمن في صناعتها كالخيزران والقصب وغيره، تكون أسعارها مرتفعة نسبيا. وعن الاختلاف في الأذواق عند زبائنه بين الجهات التونسية، أجاب النايلي قائلا بلهجة الخبير الواثق: «أهل الجنوب، أي دوز وقبلي وتطاوين والمناطق القريبة منها، يحبون اللون الأحمر القاني الغامق، أما أهالي الساحل والوسط فيحبون اللون الأبيض».

جميع ما يبيعه النايلي صناعة يدوية، إذ قال: «إننا نشتري الحرير والمواد الأولية الأخرى، ونقوم بإعداد الديكور المناسب لكل ما ترونه أمامكم من سلال وزجاجات وشموع وغيرها». وبعض الشموع في محل النايلي أخذت أشكال أصابع اليد، وهي التي يطلق عليها التونسيون مسمى «الخمسة»، بينما يطلق عليها في بلدان عربية أخرى مسمى «الخميسة»، وهي من التقاليد التونسية التي لم يجد لها النايلي تفسيرا مقنعا. ومن جهة أخرى هناك في المحل شموع في شكل عروسة ولكن من دون رأس، ولذا يسارع إلى التوضيح: «لم يوضع لها رأس لأنها تشتعل من رأسها». ثم يستطرد: «الشموع تستخدم ليلة الحناء، أي قبل يوم من ليلة الزفاف، وتستخدم أثناء زف العروس إلى عريسها، لا سيما إذا كان الحفل في منزل العريس وليس في فندق أو صالة أفراح».

على صعيد آخر، ما عاد فصل الصيف في تونس هو فصل الزفاف كما كان في السابق، وبالتالي يجد التجار أنفسهم حاليا مرتاحين نفسيا لما كان يسببه ذلك من ضغط في الصيف ومن فراغ في بقية الفصول. أما في ما يتعلق بالأسعار فيؤكد النايلي أن «الأسعار في قصر هلال أدنى مما هي في المدن القريبة كمدينة سوسة، فمثلا ما يباع في سوسة بـ80 دينارا موجود بـ45 دينارا في قصر هلال»، متابعا: «هناك أسعار خاصة بالتجار وأخرى بالحرفاء (الزبائن) العاديين». وعن أسعار بعض السلال الموجودة في محله، أشار إلى إحداها وقال: «هذه بـ50 دينارا (25 يورو تقريبا)، وتلك بـ45 دينارا، والتي تليها بـ35 دينارا». أما الزبائن فأفاد بأنهم من كامل البلاد التونسية، قائلا: «إنهم يأتون من قابس ونفزة وتونس وصفاقس والقيروان وغيرها..»..

وحول ما إذا كانت ثمة عادات أو ممارسات تتعلق بالزفاف أفلت أو انقرضت وأخرى ظهرت وبرزت خلال العقود الثلاثة التي عمل فيها في هذا الميدان، قال: «لا توجد عادات أفلت أو انقرضت كما تقولون، ولكن تطورت... بمعنى أنها باتت أكثر تنوعا في المواد، فقد كانت السلال تصنع من مواد وأقمشة رخيصة، أما الآن فهناك أسماء كثيرة والموديلات تعددت والنوعية تعددت والتطور ارتبط بالاستهلاك».

وفي نهاية اللقاء أعرب النايلي عن أمله في أن تشارك الصناعات التقليدية التونسية في معارض دولية، متسائلا: «لماذا لا يقام معرض عربي للصناعات التقليدية أو معرض على مستوى دول منظمة المؤتمر الإسلامي، ولما لا على مستوى عالمي، يكون في إحدى الدول العربية كل عام؟».