«فيك تتطلع على الكاميرا».. مسرحية تسجل آلام المعتقلات السورية

تعرض للمرة الأولى في العالم العربي مقبلة من كوريا

مشهد من المسرحية («الشرق الأوسط»)
TT

مخرجة سورية تعمل على تصوير فيلم وثائقي عن تجربة الاعتقال في بلادها، بعد أشهر من اندلاع الثورة، وحجز آلاف الأشخاص في المعتقلات. المخرجة، واسمها نورا، ليست محترفة في أي حال، لكن ما تراه من موت وعنف لا يطاقان من حولها يجعلها تشعر بأنها بحاجة لفعل شيء ما من أجل بلادها، وتختار الكاميرا للقبض على اللحظة الراهنة وتسجيلها. العمل يتم في السر، فتصوير مثل هذه الأمور ليس مسموحا، لذلك تنتهي نورا هي نفسها إلى السجن والاعتقال كما أبطالها الذين كانت تسجل شهاداتهم في فيلمها.

هذه المسرحية التي تحمل اسم «فيك تتطلع بالكاميرا»، وتمثل فيها دور نورا الممثلة السورية الشابة ناندا محمد، عرضت في بيروت على «مسرح دوار الشمس» لمرة واحدة فقط مساء الاثنين الماضي، آتية من سيول، بعد أن عرضت في كوريا لأسبوعين كاملين مع ترجمة إلى الكورية، وتفاعل معها الجمهور وناقشها، متعرفا من خلالها على المسرح السوري وعلى الثورة السورية في آن واحد. الاهتمام الكوري، بحسب ناندا محمد، ليس متأتيا من الاهتمام بالثورة السورية وحسب، وإنما من التشابه بين التجربتين، حيث ما يزال الصراع بين الكوريتين يشكل أزمة.

على المسرح نورا تصور فيلمها ومعها معتقلان خرجا من السجن، شاب وصبية، تسمع شهاداتهما وتسجلها، وهي شهادات مأخوذة عن قصص حقيقية لأناس اعتقلوا وخرجوا ليرووا حكاياتهم، ولكن هناك شهادات أخرى يتم بثها على شاشة، وهي حقيقية أيضا، لكن من يؤدونها هم ممثلون وليسوا المعتقلين الحقيقيين.

العمل فني بامتياز، أبطاله ممثلون وحكايته الأساسية (حكاية المخرجة نورا) هي من بنات أفكار المؤلف وكاتب العمل محمد العطار، لكنها قصة هناك ما يشبهها في سوريا.

ونورا، كما تقول مؤدية الشخصية، أي الممثلة ناندا محمد، «هي ككل الشبان من جيلنا الذين تساءلوا عند بدء الثورة عن حقيقة ما يحدث، والموقف الذي يتوجب عليهم اتخاذه». نورا تجد نفسها رويدا رويدا، منخرطة في الثورة، مدافعة عنها؛ لذلك تقرر أن تصور فيلما تجمع فيه آلام المعتقلين، وسرعان ما تجد نفسها غارقة بحكاياتهم ورواياتهم. تقول ناندا حين نسألها عن شبه بينها وبين شخصية نورا التي تؤديها فتقول: «بالتأكيد حال نورا تشبه حال الكثيرين منا. هي تصور فيلما للمساهمة في الثورة، وأنا أمثل هذا الدور كي أساهم أيضا. كل يبحث عما يستطيع أن يفعله على طريقته».

نورا من عائلة لم تشارك في الثورة، ولم تقتنع بما تفعله ابنتها. تقول الممثلة السورية ناندا محمد: «الموضوع الذي نقدمه في المسرحية ليس سياسيا فقط، فالمخرجة التي تتحدث عنها القصة كانت تعمل في الدعايات، لكنها وجدت نفسها تدريجيا محاطة بالأسئلة التي لا تجد إجابات عليها، وسط عائلة لا تقاسمها الرأي. نورا تريد أن تفهم، لذلك تبحث وتحاول أن تحيط بالأمور، لتجد نفسها محاصرة بمزيد من الأسئلة الصعبة، ولكن مع الوقت تتأكد نورا من صواب الاتجاه الذي اتخذته، وإن كان مخالفا لما يفكر فيه أهلها». تضيف ناندا: «المسرحية ليس فيها أبيض وأسود، وإنما الكثير من الرمادي، فالسوريون منقسمون هم أيضا، وفي البيت الواحد تتعدد الآراء، وتختلف وجهات النظر. وما يهمنا في هذه العمل هو إظهار كيف تغيرت العلاقات العائلية والاجتماعية بعد اندلاع الثورة، قد يكون إلى الأحسن وأحيانا إلى الأسوأ. فالأمور تختلط على الناس إلى حد كبير في سوريا».

تنتهي المسرحية بمشهد يجمع بين نورا وشقيقها، وهو الممثل الرابع في المسرحية، بعد أن اعتقلت وصارت في السجن. من جانب نجد الصبية التي اختارت الثورة وضحت من أجلها، ومن جانب آخر نرى شقيقها الذي يجالسها في السجن أثناء زيارته لها، ويبقى رأيه معلقا، فهو لا يوافقها الرأي، لكننا لا نعرف إن كان مقتنعا تماما بمواقفه.

نص هذه المسرحية قرئ في بيروت العام الماضي، أثناء نشاط أقيم في «مسرح دوار الشمس» للتضامن مع الثورة السورية، وصادف أن كانت مديرة مهرجان كوري يدعى «بي أو إم» حاضرة وعرضت استقبال الفنانين لقراءة النص هناك، ومن ثم عرض الكوريون إنتاجه وتقديمه كمسرحية في بلادهم.

هذه المسرحية التي ولدت في سيول، عرضت للمرة الأولى عربيا في بيروت، على أمل أن يتم عرضها في دول عربية أخرى. وبانتظار فرص عربية فإن المسرحية ستستقبل في زيوريخ في شهر أغسطس (آب) المقبل. المسرحية من إخراج عمر أبو سعدا، ويؤديها إضافة إلى ناندا محمد في دور نوار، كل من جمال شقير، أيهم الآغا، لونا أبو درهمين. وقد عرضت المسرحية في بيروت على هامش «مهرجان الربيع».