مدام إخلاص.. «عاشقة القطط» على ضفاف النيل

وجدت في صحبتها «الونيس» بعد موت زوجها وتعيش معها في عوامتها

قطط «مدام» إخلاص على باب عوامتها على النيل («الشرق الأوسط»)
TT

يطلق عليها المارة على كورنيش نيل القاهرة، على سبيل الدعابة طبعا، لقب «عاشقة القطط»، إذ ليس في عالمها سواها، بعدما توفي زوجها، ولم ترزق بأطفال.

تشعر بهذا عندما تدلف نحو مسكنها المميّز على ضفاف النيل في منطقة «الكيت كات» بالعاصمة المصرية، وهو عبارة عن عوّامة نهرية سكنية على هيئة مركب ثابتة تحمل الرقم «77». لكن مواء القطط ونباح «أصدقائها الكلاب»، يمنحان العوّامة سمة مميّزة وسط العديد من العوامات الراسية في المنطقة.

وبمحبّة ودفء تستقبلك مدام إخلاص حلمي، صاحبة العوّامة وستدهش حين تعرّفك على «أطفالها» أو «أصدقائها» من القطط قائلة «هذه صديقتي ليلى، وهذا طفلي ميشو، وهذا صديقي المشاكس توت، وهذا حارسه الأمين الكلب سمسم»..

ولن تستطيع أن تمنع ضحكك بسهولة حين تعرّفك على «المتحدث الرسمي» باسم العوّامة، وهو ببغاء يردّد أمامك على الفور كلمات «أهلا وسهلا.. شرفتنا». أما عن طيور الأوز والبط فتطلق عليها مدام إخلاص لقب «الجوقة» أو «الرعية».

في الواقع تفخر إخلاص حلمي بأنها استطاعت أن تجمع كل هذه الحيوانات وتؤلف بينها على الرغم من اختلاف طباعها وفصائلها تحت مظلة واحدة، فتعيش معا في سلام وأمان. وتلفت إلى أن حنانها الشديد وراء هذا التآلف بينها وبين هذه الحيوانات.

روت إخلاص حلمي لـ«الشرق الأوسط» خلال جلسة خاصة في عوّامتها عن قصة عشقها للحيوانات، وبخاصة للقطط، قائلة إنها أمضت نحو عشرين سنة في شقة سكنية مع زوجها بمنطقة الزمالك، إلا أنها لم تستطع العيش بعيدا عن النيل وسكونه المشمس لمدة طويلة. وحقا، بعد وفاة زوجها انتقلت إلى هذه العوّامة الشهيرة في الرقم «77»، ومن ثم جاءتها فكرة فتح منزلها بالعوامة لاصطحاب القطط عندما شهدت قطة وقد وقعت من ارتفاع عالٍ فكسرت أرجلها. ويومذاك أخذتها للطبيب وبعد معالجتها حملتها إلى العوامة. وأضافت أنها منذ تلك اللحظة أصبحت تحنّ إلى أي قطة تراها في الشارع وتصطحبها معها، أو تفتح الباب إلى كل من يريد إيواء قططه عندها، وهكذا مر عليها أكثر من 25 سنة وهي تعيش مع القطط، «الونيس الوحيد» لها، كما تقول.

وعن برنامجها اليومي، قالت - وهي سيدة ميسورة الحال لا تعمل - شارحة «في كل صباح أقوم بتحضير الطعام للقطط، وهو يتكوّن من: عيش (خبز) وخضار ولحم مقطّع ومسلوق، تتناوله القطط بكميات قليلة ثلاث مرات في اليوم. وخلال النهار أترك القطط خارج العوّامة لكي تتنزه في الحديقة المجاورة والجلوس تحت الشمس، ولكن مع دخول الليل أدخلها إلى العوامة اتقاء لبرودة الجو في الخارج، حيث هواء النيل يكون باردا ليلا».

يبلغ عدد قطط إخلاص حلمي حاليا نحو ثلاثين قطة، من مختلف السلالات، فمنها الشيرازية والسيامية والرومية والبلدية، إلا أنها تقول: «أميل أكثر إلى القطط الرومي لما لها من حنيّة (حنان) وطيبة وخفة دم، وأتمتع باللعب والتدلل طيلة الوقت معها».

من ناحية ثانية، تحرص مدام إخلاص، التي تجاوزت السبعين من العمر، على تسمية كل قطة باسم مميز، فهناك ليلي وهي من أفضل القطط المحببة لقلبها، وكذلك القط ميشو. وخلال لقائنا معها أعربت عن استيائها من وصف البعض القطط بصفة الغدر، معلقة «القطط من أشد الحيوانات ألفة.. إنها تشبه الإنسان في كل الصفات باستثناء أنه يتمتع بالقدرة على التعقل والتكلم».

غير أن العوّامة «77» لا تحصر اهتمامها بالقطط فقط، بل اتسعت أيضا لتضم كلبين مهمتهما حراسة العوّامة وقفصا يغرّد ويثرثر فيه ببغاء رمادي اللون له مكانة خاصة في قلب إخلاص، لا سيما أنه يدلّعها باسم «خلّوصه». وذلك بالإضافة إلى تربيتها مجموعة من طيور البط والإوز البيضاء اللون التي تزهو بريش أجنحتها تحت شمس النيل.

أما عن المواقف التي تؤلم مدام إخلاص وتحزنها فحين تفقد قططها، وبالأخص عندما يقفز بعضها في النيل ويغرق لأن القطط لا تجيد السباحة. وهنا تحرص على القول: «القطة لا تسبب أي أمراض كما يتناقل في الأوساط الطبية، وتقوم بالاستحمام الذاتي بلسانها». وأضافت: «من أهم فوائد القطط بجانب حنّيتها غير العادية، قدرتها على إبعاد الفئران وغيرها من الحيوانات المؤذية، وذلك بمجرّد استشعار هذه الحيوانات رائحة القطط.. فهي تضايقهم وتجعلهم يهجرون المكان».

وقبل أن نترك مدام إخلاص سألناها عن مصير العوّامات في ظل الانفلات الأمني وانتشار «البلطجية» عقب ثورة 25 يناير، فأجابت: «لم أشعر بأي من الاضطرابات. لكل عوامة حارس وغفير يسهر كل يوم ليلا يحميها من الحرامية والبلطجية، ثم إن أصحاب العوّامات يعرف بعضهم بعضا ويحرصون على منع دخول الغرباء إلى المنطقة المليئة بالعوّامات الساكنة».