فنانة سكندرية تعيد إحياء فن «الشفتشي»

يستمد عناصره من الفلكلور المصري ويميز المرأة جماليا

الفنانة بسنت عبد الحفيظ أمام نماذج ابتكرتها من فن «الشفتشي» في أحد معارضها الخاصة («الشرق الأوسط»)
TT

فن مصري يخطف العيون، ويعتبر علامة مميزة على أناقة المرأة، واهتمامها بمظهرها الجمالي، لكن بريقه بدأ يخفت في ذاكرة الناس بسبب تيارات العولمة التي هزت عرش الفنون الشعبية الفلكلورية التي تجسد ثقافات الشعوب، ومع ذلك لا يزال فن «الشفتشي» يومض في قطعة حلي نحاسية أو قلادة مطعمة بالأحجار الكريمة تتبختر بها فتاة أو امرأة حسناء.

الفنانة الشابة بسنت محمد عبد الحفيظ، الطالبة في كلية التربية النوعية، أخذت على عاتقها إحياء هذا الفن والتعريف به وإبرازه من خلال صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، التي تسميها «شفتشي آرت» وأيضا عبر معارضها الفنية ومشاركتها في المهرجانات الفنية الدولية. تقول بسنت: «إن (الشفتشي) معناه شغل النحاس وملء الفراغات الدقيقة، وهو يتضمن الرسم باستخدام أسلاك النحاس وتشبيكها بتكنيك معين مثل الدانتيل، وأيضا تطلق كلمة (الشفتشي) على الرسم بالريليف على الزجاج».

وتضع بسنت لافتة كبيرة مكتوب عليها «شفتشي آرت»، التي دائما ما تجذب الناس تجاهها للتعرف على هذا النوع من الفن، الذي ارتبط اسمه في أذهان الكثيرين بالملابس المطرزة بكثافة أو المثيرة. وفي حديثها لـ«الشرق الأوسط»، تقول بسنت: «يأتي إلي الكثير من الناس متوقعين أن يكون المعرض متخصصا في الملابس المطرزة أو ما شابه، ولكن تحدث المفاجأة حينما يجدون القطع المعروضة من المشغولات النحاسية والفضية، وهنا تظهر لديهم تساؤلات حول فن (الشفتشي) وتاريخه، وغيرها من المعلومات، وقد أدى ذلك إلى ارتباط اسمي بهذا الفن، وأصبح اسم شهرتي بين أصدقائي (بسنت شفتشي)».

وتؤكد بسنت أن هذا الفن هو فن مصري خالص، وتمتد جذوره إلى مصر القديمة، ويستمد عناصره من موتيفات الفن الشعبي، مثل العروسة والحصان والأسد والكف، والسمكة، والخمسة وخميسة، والخرزة الزرقاء، وغيرها من الأشكال، التي ظهرت في بدايات هذا الفن في خان الخليلي والقلعة، وعلى الرغم من ذلك، فإن الإنتاج لا يغطي مصر كلها، نظرا لأنه باهظ الثمن باعتباره من المشغولات اليدوية التي تتطلب مجهود فضلا عن ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة فيه.

وتوضح بسنت أن المدة التي يستغرقها تنفيذ خاتم شفتشي تقارب الساعتين بشكل مبدئي، لأن الفنان يظل يجرب ويطوع الأسلاك بأشكال كثيرة حتى يصل إلى الشكل النهائي، الذي لا بد أن يختلف من قطعة لأخرى. وتشير بسنت إلى أن الإقبال الأكبر يكون على السلاسل والقلادات، التي تشبه الكردان والكوليه.

وحول سر اهتمامها بهذا النوع تحديدا من الفنون وقدوتها في هذا الفن، قالت: «لا أعلم تحديدا على يد من ولد هذا الفن ولا أحد يعلم من هم الفنانون الرواد في هذا المجال تحديدا، ولكنه فن مصري خالص، والفضل يعود إلى خالتي الدكتورة علا حمدي، أستاذة الخزف بكلية الفنون التطبيقية بجامعة القاهرة، التي شجعتني على الدخول في مجال فن الشفتشي. وبالفعل تعلمت فن الشفتشي في أثناء دراستي في الكلية، وقمت بعمل تصاميم منه في تابلوهات وأباجورات وأباليك ومعلقات».

وعن طبيعة الخامات المستخدمة في هذا الفن، تقول الفنانة الشابة: «تتنوع التقنيات المستخدمة في شغل الشفتشي حسب طبيعة القطعة الفنية، وهل هي إكسسوار منزلي أم حلي للزينة، وبحسب بسنت، فإنها تستخدم تقنية التشكيل بالسلك أو الضغط عل النحاس، والتفريغ بالآركت أو الحفر بـ«مية النار». وتعتبر بسنت أفضل الخامات التي تخدم فن الشفتشي هي النحاس حيث يمكن تطويعه بسهولة وعمل أشكال فنية كثيرة ومتنوعة فضلا عن أن لونه لا يتغير بفعل العوامل الجوية.

وتعدد بسنت القطع التي يدخل فيها فن الشفتشي، والتي يستخدمها الكثير منا دون أن يدري أنها تنتمي إلى هذا الفن، ومنها الإكسسوارات النحاسية والميداليات والأنسيالات، التي تناسب جميعها الفتيات والشباب، والتي قد تدخل فيها العملات النادرة كهدايا تذكارية أو النحاس المطلي بالفضة. وتؤكد أن الإقبال كبير، خاصة من جانب العرب والأجانب على مشغولات الشفتشي التي لا يوجد مثلها سوى في مصر. وإلى جانب مشغولات الشفتشي تقوم بسنت بعمل تصميمات للمشغولات الجلدية وتطوع الجلود في أغراض الزينة وعالم الإكسسوارات.

وتطمح بسنت في أن تستخدم فن الشفتشي في عمل الشخصيات الكارتونية المحببة للأطفال، هذا إلى جانب مشاركتها في ورش عمل للأطفال منذ 8 سنوات لترسيخ قيم الفن الجمالية لدى الأطفال، وتحفيزهم للمشاركة في إحياء التراث المصري القديم، وتشير بسنت إلى أن قيم الذوق والحس الفني اختفت لدى كثير من الشباب بسبب إهمال التربية الفنية، «لذا أرغب في المشاركة في ورش عمل للأطفال في مختلف مجالات الفن لكي يكون لديهم رقي في حياتهم، بداية من اختيار الملابس وحتى أثاث منازلهم».

شاركت بسنت في كثير من المهرجانات الدولية التي تهتم بالفنون اليدوية، ومنها مهرجان «ابدأ بنفسك» الذي تنظمه مؤسسة «أجورا» وغيرها من المؤسسات التي تهتم بالفنون ومنها مؤسستا «بيريدجز»، و«أليكس فيستيفال» بالإسكندرية.