شيخة السويدي.. وثقت بالكاميرا تاريخ دبي وتطورها منذ الستينات

أول مصورة فوتوغرافية في الإمارات تجاوزت الـ80 سنة

شيخة السويدي.. موثقة تاريخ دبي الفوتوغرافي.. حاملة كاميرا عصرية («الشرق الأوسط»)
TT

ليست شيخة محمد مبارك السويدي، التي بلغت الـ80 سنة من عمرها ويحيط بها 27 حفيدا، أول مصورة إماراتيه فحسب، بل هي المرأة التي وثقت ماضي دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة بعدستها قبل أكثر من نصف قرن.

يومذاك، مارست التصوير وهي في سن الـ18، عندما كانت الكاميرا آنذاك ضربا من العجائب ولونا من ألوان السحر، يطلق عليها الإماراتيون بلهجتهم الدارجة في ذلك الوقت مسمى «العكوس». ولذا أطلقت على معرضها الأول، الذي تضمن 69 صورة فوتوغرافية، اسم «العكس». وأتبعته بمعرض ثان وتضمن الثاني 21 صورة فوتوغرافية. وعلى موهبتها وعملها استحقت جوائز عدة، أبرزها «جائزة منصور بن محمد للتصوير الفوتوغرافي».

ترعرعت الفنانة شيخة في مسقط رأسها دبي، وبالذات في فريج المرر، التي هي منطقة شارع الفهيدي حاليا. وتزوجت وهي في سن الـ12 من رجل يدعى محمد أحمد. وصادف أنها عملت في مجال الزهور وبيعها في تلك الأيام، ولكن لم يمنعها الاعتناء بتربية أولادها الستة من ممارسة هواياتها في الرسم والأشغال اليدوية والزراعة والخياطة والطبخ وقيادة السيارات وكتابة الشعر والمراسلة، وكل هذا على الرغم من أنها لا تجيد القراءة والكتابة! وعن هواياتها قالت شيخة السويدي لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام من لقائها: «بدأت أولا بالرسم، وأنا لا أكتب ولا أقرأ، وهناك شخص اسمه ملا قنبر كان من جيراننا في الحي، هو من اكتشف إمكاناتي في الرسم. وكان يعمل في مكتب كر مكنزي - مكتب بريطاني خاص بخدمة المراكب - فأخذ اللوحة التي رسمتها إلى وكيله جورج جايمان، فأعجب برسمي وأعطاني قماشة لوحة أكبر لكي أرسمها. ومنذ تلك اللحظة بدأت بالتصوير الفوتوغرافي».

ما كانت شيخة تمتلك آلة تصوير (كاميرا) في بادئ الأمر، لكنها أصرت على ممارسة هذه الهواية. وهكذا استعارت كاميرا من شخص هندي اسمه جيتاه، كان يعمل في مكتب سعيد آل مكتوم في خمسينات القرن الماضي، وكان قد جاء بها من الهند لكي يصور بها الإمارات، وشجعها جيتاه حقا على التصوير.

أول كاميرا استخدمتها شيخة السويدي كانت من نوع «أغفا»، مع مؤقت آلي (تايمر)، للتحكم بالتصوير الأوتوماتيكي. وبهذه الآلة صورت رحلتها إلى الهند لإجراء عملية جراحية، بمرافقة فاطمة خان زوجة محمد شريف، الذي كان يعمل وكيلا للشيخ آنذاك، وعاشت وشقيقها في كنفه بعد وفاة والدهما وهي في التاسعة من عمرها، إذ كان هذا الرجل يربي الأطفال اليتامى. واستغرقت الرحلة ستة أيام، والتقطت صورا للممرضات والمرضى في المستشفى.

وبعد العودة من الهند أعادت شيخة لجيتاه الكاميرا التي كانت قد استعارتها منه، ولكن عندما علم محمد شريف بشغفها في التصوير اصطحبها إلى السوق واشترى لها كاميرا خاصة بها من رجل يدعى عبد الكريم كابتن، وهو مالك دار سينما صغيرة متنقلة، كان يدور بها على «الفرجان» لعرض الأفلام على الأهالي. وعند هذه النقطة بدأت تصور أفراد عائلتها. وهي تردد القول: «الكاميرا هي عيني الثالثة التي أرى بها أحلامي». ولكي تحقق هذه الأحلام اشترت أدوات التحميض من محل «مولجي» المتخصص بالتصوير آنذاك. وحققت هذه الأحلام من خلال تصوير مجموعة مهمة من الصور أصبحت جزءا من تاريخ دبي الإمارات.

أولى صور شيخة السويدي تركزت على تجسيد الحياة التقليدية، مثل صور الأطفال الذين يدور أهلهم بهم على الخيول بعد الختان، وصور أطفال يلعبون بدراجاتهم الهوائية بجوار مربعة أم تسع ريول في الستينات. وكذلك العرسان في يوم فرحهم، ودكاكين العريش قبل اتحاد الإمارات. كذلك وثقت احتراق ميناء دبي على ضفة الخور. والتقطت صورا كثيرة أخرى منها صور سوق الديرة - مجموعة عائلة محمد علي الريس - وتتضمن هذه المجموعة صورا لاستقبال الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مجموعة من التربويين من الحكومة الإيرانية، وصور افتتاح بنك دبي الوطني عام 1962، وصور حفل زفاف في منطقة بر دبي الشندغة، وصور مجلس في منزل الحاج عبد الرحمن الريس العوضي بمنطقة السبخة في دبي عام 1959، وصور مدينة المطينة بدبي عام 1965.

ثم إنها التقطت مجموعة صور لشرطة دبي وأخرى لمجموعة عائلة البدري تبين جوانب مهمة من الحياة الاجتماعية، وتغطي عقود الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي، منها صورة لعرس الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وصورة للشيخ جمعة آل مكتوم - وهما صورتان نادرتان - وعام 1976 التقطت صورة للجامع الذي بناه محمد علي بدري عام 1936، وصورا للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أثناء حضوره لمباراة كرة القدم بين الشرطة والمنطقة العسكرية الوسطى بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. ويضاف إليها صور لمجموعة من التجار البارزين آنذاك، بينهم محمد شرف رحيم بدر وحاج علي قرقاش ومرشد العصيمي ومير عبد القادر الخوري وعبد الواحد فكري.

لقد كانت دبي في تلك الحقبة في أمسّ الحاجة ليأتي توثيقها على يد أحد أبنائها وليس على يد المصورين الأجانب كما جرت العادة، وبالفعل استطاعت شيخة محمد مبارك السويدي أن تدخل تاريخ الإمارات من عدسة كاميرتها التي ما زالت تحتفظ بها بعد مرور نحو 60 سنة على اقتنائها.