تونس: أسعار الخضراوات والفاكهة: ملتهبة في مكان ومنخفضة في آخر

أصابع الاتهام تشير للوسيط وغياب الرقابة والتهريب والاحتكار

سوق الخضار والفاكهة في تونس.. فتش عن الوسيط ودوره في تفاوت الأسعار («الشرق الأوسط»)
TT

تكتظ أسواق الخضار في تونس بالناس، سواء كانت أسواق الجملة، أو الأسواق الشعبية التي تحتاج لتنظيم محكم واهتمام خاص من الدولة. حيث تنزل الأسعار إلى مستويات معقولة في بعضها، وترتفع بشكل جنوني في بعضها الآخر.

التفاوت في الأسعار، كما يرى المتابعون المطلعون، وكذلك المواطنون العاديون الذين يرتادون هذه الأسواق، مرده إلى عدة عوامل منها «حضور مراقبي الأسعار في الأماكن التي تنخفض فيها قيمة البضائع المعروضة، أو يتعامل فيها التاجر والفلاح بشكل مباشر بعيدا عن الوسيط الثالث، ثم ارتفاع العرض مقابل مستوى الطلب».

هيثم بن رمضان (30 سنة)، تاجر خضار وفاكهة، التقيناه وسألناه عن حال الأسواق، فأجاب: «أنا أعمل في هذا المجال منذ كان عمري 15 سنة، أي إنني هنا منذ قرابة العقد والنصف العقد، ومع هذا بالكاد أحصل على قوتي». ثم مدّ يديه إلى صندوق وفتحه فبدا خاليا سوى من 10 دنانير تونسية (الدينار نصف يورو تقريبا) رفعها بيده، وتابع معلقا: «لم أبع اليوم سوى بهذه.. نحن لا يمكننا أن نحدد الأسعار، فقيمة الربح مفروضة من الدولة، والنسبة الزائدة تتبخّر بعد يومين، ونصبح نبيع بالثمن نفسه الذي نشتري به البضاعة». واستطرد: «إننا نضطر في كثير من الأحيان إلى رمي البضائع في حاويات القمامة، لا سيما في فصل الصيف حين تتأثر السلع بدرجة الحرارة المرتفعة».

ثم التقينا رجب بن عمر، وهو بائع خضراوات وفاكهة في إحدى الأسواق الشعبية، فقال لنا إن «انخفاض الأسعار بعد موجة الغلاء التي هزت المجتمع بأسره سببه تهريب السلع إلى كل من الجزائر وليبيا.. الفلاح التونسي كان ينتج لثلاث دول هي تونس والجزائر وليبيا، لكنه لا يحصل سوى على القليل». وأردف: «الأسعار الآن منخفضة بسبب الحزم الحكومي، ولكن هذا الحزم يجب أن يتواصل، إذ إن كثيرين من المهربين يعتقدون أن ذلك مجرد هدنة». ومن ثم شدد رجب على أن «الفلاح هو الخاسر الوحيد في العملية سواء ارتفعت الأسعار أو انخفضت.. فالفلفل بـ700 مليم (الدينار يساوي ألف مليم) والبطاطس (البطاطا) بالسعر ذاته، والخوخ بـ500 مليم، ولكن الفلاح لا يحصل على أكثر من 100 مليم فقط».

وترى امرأة أصرت على التحدث «الشرق الأوسط» أن «سبب ارتفاع الأسعار الجشع.. سواء من التجار أو الوسطاء الذين لا يهمّهم (كما قالت) إلا أنفسهم حتى لو أدى ذلك إلى إدخال البلاد في الحائط»، بحسب تعبيرها.

عودة إلى هيثم بن رمضان، فإنه يعرب عن إعجابه بموظفي مراقبة الأسعار «الذين أبدعوا وسيلة أخرى في تأديب من تسوّل له نفسه زيادة الأسعار بأكثر من السقف الذي حددته الدولة.. فلم يعد الأمر كما كان في السابق، حين كان المراقب يقف أمام المحل ويسجل المخالفة ويأمر صاحبها بدفعها، وإنما يمر المراقب كما لو كان زبونا ثم يرفع شكوى إلى المحكمة، التي لا تتوانى في تسليط أقصى العقوبات على من يتجاوزون السقف المحدد للأسعار».

مشكلة أخرى تحدث عنها هيثم، تتعلق بنوعية بائعي الخضار والفاكهة والغلال، فبينهم كما قال: «من لا يحمل شهادة، وليست لديه صنعة يعيش منها، ومنهم أيضا خريجو السجون الذين لا يجدون ما يعملون فيتموضعون على جانبي الشارع العام لبيع الخضار ويضيّقون على السيارات والمارة الطرق بشكل لا يمت إلى الحضارة بصلة».

هيثم ينفي بقوة أن يكون تاجر الخضار الجهة المسؤولة عن غلاء الأسعار، مشيرا إلى من وصفه بـ«طرف ثالث.. هو الوسيط بين الفلاح والتاجر»، ومتابعا: «تاجر الخضار مثلي هو الضحية، إذ إنه يشتري البضاعة من السوق المركزية؛ من الفلاح عن طريق الوسيط، وهو لا يستطيع التحكم بالأسعار إلا ضمن نسبة الأرباح التي تحددها الجهات المختصة.. فإذا زدنا في السعر، ولو بنسبة ضئيلة، تكون جهات مراقبة الأسعار لنا بالمرصاد من خلال غرامات تصل إلى 300 دينار».

وهنا دعا هيثم إلى ضرورة حل إشكالية الوسيط، الذي يعرف في تونس باسم «الهباط»، وكذلك البلدية. وزاد قائلا: «بعض الأطراف تأتي إلى السوق المركزية، أو سوق البيع بالجملة، وتشتري جميع البضائع، ومن ثم تقوم بتهريبها إلى ليبيا. وعندما تُفتقَد السلعة ولا يبقى منها إلا القليل تلتهب الأسعار في الأسواق التي تبيع بالتفصيل. وبالتالي فإن قانون العرض والطلب يختلّ في هذه الناحية ويصبح الأمر غير طبيعي. لا شك أن هذا الوضع ليس عفويا، ولا ينم عن نهم تجاري فحسب بل له ذيول سياسية».

وأخيرا، ومع أن هيثم يرفض الحديث من منظور سياسي، فهو يؤكد أن «الذين يهربون البضائع إلى ليبيا هم أنفسهم الذين يرفعون الأسعار من خلال جعل الطلب أكبر من العرض»، مضيفا: «أصحاب مخازن البضائع لهم دورهم في رفع الأسعار أيضا. إن الإنتاج وفير لكن يوجد خلل في توزيعه، وبالتالي على السلطة مراقبة الوسطاء وأصحاب المخازن والمهرّبين، تماما، كما تراقب التجار الصغار وأصحاب المحلات الصغيرة والأسواق الشعبية».