مهنة «الروبابيكيا» بمصر تقاوم الاندثار

تستعين بوسائل الاتصال الحديثة.. وشعارها «نشتري كل شيء قديم»

بائع روبابيكيا متجول في أحياء القاهرة (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

لم يعد نداؤه الشهير يتردد كثيرا في شوارع وأزقة القاهرة بكلمات «بيكيا»، «بيكيا». ويبدو أن تغير الأحوال وتطور وسائل الاتصال طال بائع الخردوات الشهير بـ«الروبابيكيا»، فلم يعد يعتمد على عربته الخشبية بسيطة التكلفة ليجول بها الشوارع والأحياء النائية بحثا عن أسرة تريد بيع موبيليا أو أجهزة كهربائية قديمة أو زائدة عن احتياجاتها، بل تطور الوضع وقام أصحاب المهنة بالتواصل مع وسائل الدعاية الإلكترونية الحديثة من الإنترنت والإعلانات المبوبة على جدران المحال والحوائط والأشجار لتجذب أعين المارين بالشوارع.

عائلة أحمد زيدان التي توارثت مهنة «الروبابيكيا» واحدة من العاملين في جمع العاديات القديمة من البيوت والدكاكين.. وأصبحت لا تكتفي بالنداء الشهير «بيكيا بيكيا»، ولكن أصبحت تستخدم التقنيات الحديثة بما فيها حيل شركات الإعلانات التي تعلن عن منتجاتها في كل مكان.. على الجدران والأشجار. ولعائلة زيدان عدة محال بهذا الاسم في عدة أماكن مختلفة بالقاهرة لبيع وشراء الخردوات والأنتيكات.

وأوضح زيدان لـ«الشرق الأوسط» أنه يعمل في هذه المهنة منذ الصغر، حيث توارثها عن أجداده وعمل على تطويرها والدعاية لها من خلال إنشاء محل شبه تجاري بدلا من عربات الخردوات التقليدية التي كانت معروفة في مصر حتى وقت قريب.

وفي شوارع مختلفة من منطقة الدقي بالجيزة، المجاورة للقاهرة، توجد محال الروبابيكيا، إلى جانب محل خاص بالأنتيكات والكتب الثمينة بمنطقة مصر القديمة جنوب العاصمة.

وكما تشتري عائلة زيدان كل شيء، فإنها تجد أيضا من يحتاج لما تحت يديها.. ومنهم عشاق اقتناء القديم، وكذا صناع الدراما التلفزيونية والسينمائية الذين يستأجرون أو يشترون التماثيل الأثرية والأنتيكات التي قد يعود تاريخها أحيانا إلى عصور ملوك مصر القدامى والمحدثين كالملك فاروق. ويشير زيدان إلى أن احتياجات صناعة الدراما من أبرز الزبائن المهمين.

يفتخر زيدان بمهنته ويقول إنه يسعى لتأريخ مهنة الروبابيكيا في فيلم تسجيلي يدعى «ضربة معلم» وهو من إنتاجه وتمثيله، ويدور حول ما يقوم به على مدار اليوم داخل محله وعن زبائنه المعتادين على شراء الأنتيكات والخردوات منه وعن سبل استخدامها. وهو يرى في ذلك تخليدا لمهنة الروبابيكيا على مر العصور، خوفا من أن تندثر مع الزمن.

ولم تقتصر إعلانات «نشتري كل شيء قديم» على محافظتي القاهرة والجيزة، بل تأتي لهم أحيانا طلبات من محافظات أخرى، ويقومون بالتواصل معها عبر عربات النقل التي تدخل تكلفتها من ضمن تكلفة الأنتيكا، وتتراوح تكلفتها بين المائة والمائتي جنيه مصري. ودخلت الهواتف الجوالة والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لتغير من نمط مهنة الروبابيكيا، كوسائل اتصال حديثة أسرع من المناداة التي كان يقوم بها البائع في الشوارع المختلفة. وجعلت وسائل الاتصال الحديثة مهنة الروبابيكيا مهنة معاصرة.

ولم يغفل زيدان عن توضيح بعض الأسرار الخاصة بمهنته، حيث أشار إلى أنه أحيانا يقوم بشراء كتب وتحف فنية غالية القيمة والثمن من عائلات غنية ولكن لا تعرف قيمة تلك الأشياء، مما يعطيه فرصة أكبر للربح، حيث يبيعها لراغبي اقتناء تلك التحف بأسعار متفاوتة تعطي الزبون حقه وفي ذات الوقت يعود عليه بالربح من وراء بيعها.

وعلى الرغم من عدم استكمال زيدان لتعليمه الدراسي، فإنه وباقي أفراد عائلته يعتمدون على الخبرة فقط في تداول تلك المهنة، بل وأيضا يتميزون بالذكاء والشجاعة، حيث أفصح زيدان عن قيامه في بعض الأحيان بالتعاون مع أجهزة الشرطة المصرية للقبض على بائعي الآثار، حيث يقومون بالاتصال به ليعاونهم في بيع بعض التماثيل والقطع الأثرية مقابل عائد مادي كبير، إلا أن نخوته الوطنية وشجاعته تمنعه من ذلك، ويقوم بالتواصل مع الشرطة للقبض على هؤلاء اللصوص.

إلى جانب إمكانية شراء الأنتيكات وغيرها من المنتجات كالجلود الطبيعية والكتب والأجهزة الكهربائية، يتميز المحل بروحه المصرية البسيطة التي تجعل منه محلا سياحيا للبيع والتسوق في نفس الوقت، مما يمكن اعتباره بازارا سياحيا أيضا.

وتعد مهنة الروبابيكيا مهنة ذات منافع مشتركة بين البائع والمشتري، حيث تعود بالفائدة على الجانبين، فتقول راندا ثروت، إحدى ربات البيوت التي اعتادت بيع الخردوات لبائع الروبابيكيا، لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أفضل عدم ترك أثاث منزلي أو أجهزة كهربائية بالمنزل دون الحاجة إليها، وفي الوقت نفسه أعمل خيرا ببيعها لرجل الروبابيكيا لكي يستفيد بها بإعادة تدويرها أو بيعها لزبون آخر».

ومن جهتها، ترى ميرفت الملاخ أن بائع الروبابيكيا يجب النظر إليه باحترام لما يقدمه من خدمة للمجتمع قبل اعتبارها مهنة له، مضيفة أنها تفضل شراء الأنتيكات والتماثيل منه لتميزها عن ما يقدم في المحال التقليدية بالأسواق.