مهنة «عاملة نظافة» في الشارع.. مسألة لا تزال تثير الفضول في المغرب

دعوة لـ«التمييز الإيجابي» لأن المرأة «أكثر إخلاصا» في هذا العمل من الرجل

اثنتان من عاملات النظافة في الدار البيضاء (تصوير: منير أمحميدات)
TT

اقتحمت النساء المغربيات مجالا لم يكن يعمل فيه في السابق إلا الرجال، هو مجال «عمال التنظيفات». ومن وجهة نظر كثيرين فإن المرأة قد تكون أصلح من الرجل في هذا المجال المهني على الرغم من ظروف الممارسة التي تجعل منه عملا شاقا، ولذا فثمة من يقترح «التمييز الإيجابي» في مجال «عمال التنظيفات».

كثيرات من النساء دفعتهن ظروفهن الاجتماعية السيئة إلى البحث عن عمل لكسب لقمة العيش. ومن ثم، اختار بعضهن العمل كعاملات نظافة يجمعن القمامة في الشوارع، وهذا مجال وظيفي ظل ردحا طويلا من الزمن حكرا على الرجال، بسبب طبيعته القاسية التي تتطلب الصبر الشديد والقدرة على التحمل. فالعمل من هذا النوع في الشوارع والأماكن المفتوحة يكون مضنيا في الصيف - كما هو الشأن هذه الأيام - بسبب حرارة الشمس المفرطة، ومتعبا في الشتاء تحت الأمطار ووسط العواصف الباردة.

وعلى الرغم من أن «المهنة» ظهرت قبل فترة في المغرب مع تولي شركات من القطاع الخاص عملية تنظيف الشوارع والساحات العامة، بعدما تعاقدت معها عدة مجالس بلدية، فإن مشهد امرأة تعمل في جمع القمامة في شوارع المدن الكبرى مثل مدينة الدار البيضاء ما زال يثير الفضول والدهشة. وفي حين يرى البعض أن الأمر يظل عاديا طالما أن مهنا كثيرة أخرى ما عادت حكرا على الرجال، فإن شريحة أخرى من المواطنين تبدي تعاطفا عمليا ملحوظا مع عاملات التنظيفات يتمثل في سلوك حضاري يقوم على الحرص على وضع القمامة في الصناديق الخاصة بها في شوارع الأحياء، وتحاشي رميها على قارعة الطريق.

خديجة، عاملة تنظيفات، تعمل في شركة خاصة متخصصة بجمع القمامة في الدار البيضاء، كبرى المدن المغربية، تقول إن عملها يبدأ في الساعة السادسة صباحا ويستمر حتى الثانية بعد الظهر. وأول ما تفعله خديجة في الصباح هو ارتداء البذلة الخاصة بالشركة وتغطية وجهها بالكامل تفاديا للتلوث. وعلى الرغم من أن عملها بات أمرا مألوفا في شوارع الدار البيضاء، فإنها تعتقد أن كثيرين من الناس ينظرون إلى مهنتها بـ«فضول شديد يصل إلى حد الاستغراب». وتقول إن «سبب الفضول والاستغراب هو أن ذاكرة المجتمع جعلت العمل في نظافة الشوارع (الكناس) يرتبط بالرجال».

ومن ناحية ثانية، تشكو خديجة من بعض العبارات التي تسمعها أحيانا، من أنواع «التحرش اللفظي» لكنها لا تكترث، مضيفة أن «فضوليين يطرحون علي أسئلة في بعض الأحيان حول الأسباب التي دفعتني لاختيار هذه المهنة، بيد أنني أركز على عملي وأمتنع عن الإجابة». وتتابع «لا يمكن أن أروي قصتي وظروفي لكل من أراد»، بيد أن خديجة تقول باعتداد واضح بالنفس «.. لكنني لا أخجل بمهنتي على الرغم من كل المصاعب والنظرة العامة المحيطة بها، لأنها مورد عيشي، ولذا آمل أن يتركني الناس في حالي»، على حد تعبيرها. وحاليا تجوب خديجة عددا من الأحياء بصندوق قمامة بلاستيكي مجرور أخضر أو أزرق اللون، تجمع بداخله القمامة في الشارع بمكنسة يدوية، وهذه مهمة تتطلب منها جهدا كبيرا، كما أن نوعية بعض الأوساخ تكون خطيرة وكثيرا ما جرحت وتأذت بسبب ذلك.

أمينة، سيدة أخرى وحالة أخرى من حالات عاملات التنظيفات، اللواتي امتهن مهنة يراها كثيرون مهنة «دونية» غير لائقة، وبالأخص للمرأة.

وخلال لقاء مع أمينة، التي كانت تغطي هي الأخرى وجهها، ليس خجلا من الناس بل تفاديا لأشعة الشمس الحارقة، قالت «الكثير من الأشخاص الذين يمرون بجواري يرمقونني وزميلاتي بنظرات غريبة أغلبها بدافع الفضول والاستغراب، بل إن بعضهم يتساءل صراحة كيف يمكن لامرأة رقيقة الطبع وعادة ما تهتم بالروائح العطرية أن تعمل في جمع القمامة التي تنبع منها أبخرة منفرة وروائح نتنة». غير أن أمينة، في اعتقادها، أصبحت الآن متأقلمة مع طبيعة عملها القاسية. إلا أنها تقول بشيء من الضيق إن بعض الناس يحكمون عليها أحكاما ظالمة وقاسية لمجرد أنها تعمل في جمع القمامة، وثمة من أصبح ينظر إليها بشيء من الازدراء، ولا سيما في أوساط الأقارب والمعارف. مع هذا، حسب قولها، لا تكترث أمينة بسلبية رأي الناس ونظراتهم الظالمة، ما دامت هذه المهنة توفر لها لقمة عيش شريفة بعرق جبينها وتبعد عنها الحاجة إلى الناس أو التسول. وتضيف بتحد واضح «لو اهتممت بنظرات الناس وتعليقاتهم ومواقفهم، لما حصلت على لقمة عيشي.. ماذا كان سيعطيني هؤلاء الناس الذين يحتقرون مهنتي؟!».

من ناحية أخرى، يعتقد مراقبون متابعون أن عاملات جمع القمامة، من النسوة، أفضل من حيث الإنتاجية مقارنة بزملائهن العمال الذكور. ويذهب هؤلاء إلى حد القول إنه منذ أصبحت شركات التنظيفات توظف النساء في مهنة «عاملة تنظيفات»، أي مهمة جمع القمامة، بات من الظواهر الملاحظة بل واللافتة أن الشوارع والساحات التي تعمل بها النساء لا تتراكم فيها القمامة. ويرون أن في هذا الدليل الملموس على أن النسوة العاملات أكثر جدية وإخلاصا في العمل من أقرانهن الرجال.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن كميات القمامة المجمعة في المغرب تتراوح بين خمسة إلى ستة ملايين طن سنويا، السواد الأعظم منها من النفايات المنزلية. ويجري التخلص من هذه النفايات في المناطق المحيطة بالمدن الكبرى، وهو ما يشكل قلقا بالغا في أوساط العاملين والناشطين في مجال البيئة، خاصة في ظل الزحف العمراني نحو ضواحي معظم المدن.

كذلك، تشير المعطيات الرسمية إلى أن 5 في المائة فقط من هذه النفايات تعالج لإعادة دمجها في الدورة الطبيعية، في حين يرمى الباقي في أماكن جمع النفايات - أي المرامي أو «المكبات» - التي يطلق عليها في المغرب اسم «مطارح الأزبال». وكان إضراب لعمال وعاملات التنظيفات خلال الشهر الماضي في كل الدار البيضاء والرباط، قد لفت الاهتمام لعمل هذه الشريحة الاجتماعية، وراح كثيرون يطالبون باعتماد «التمييز الإيجابي» في هذه المهنة، وذلك برفع نسبة النساء لتصبح أكثر من الرجال.