مراكش: مركز للرفق بالحيوان يؤوي الكلاب والقطط الضالة

من شعاراته «حيوان يتألم لا يعمل جيدا».. وبعض الدواب تذهب إليه وحدها

مكتوب على أحد الملصقات المعلقة على جدران المركز «خيول الخدمة تحتاج إلى أكل جيد وماء نقي ووافر»
TT

«تجنب الإساءة لحصانك»، «حيوان يتألم لا يعمل جيدا»، «لا تشغل حيوانك حتى يشفى من جرحه»، «تقييد سيئ يجرح حمارك»، «خيول الخدمة تحتاج إلى أكل جيد وماء نقي ووافر».

هذه نماذج من ملصقات تملأ جدران مقر مركز «جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة» بمراكش، المعروفة اختصارا بـ«سبانا»، وهي نموذج لـ10 مراكز إقليمية توجد في جميع أنحاء المغرب.

الرفق بالحيوان ليس عادة جديدة على المراكشيين. وينطلق الكاتب الإسباني خوان غويتسولو، في أسطورة بعنوان «الرجال اللقالق»، من أسطورة مغربية عتيقة، تقول إن الفلاحين الأمازيغ كانوا يعتبرون اللقالق كائنات بشرية تتحول مؤقتا لطيور بغية السفر والتعرف على مناطق أخرى، فإذا عادت إلى البلد استعادت شكلها الأول. وفي المقدمة، التي وضعها غويتسولو لهذه الأسطورة، نقرأ أنه، ما بين 1803 و1804 «عمد الأمير مولاي عبد السلام، نجل السلطان محمد بن عبد الله، وكان رجلا فقيها يهوى الموسيقى والشعر، إلى تحويل منزل كبير في المدينة العتيقة (لعله دار بلارج الحالية) إلى وقف (حبوس) للعناية باللقالق معتلة الصحة. ورغبة منه في توفير أفضل الظروف لعلاجها، وخصص للملجأ مداخيل إيجار أحد الفنادق».

حاليا أعيد بناء الملجأ القديم، بعد خرابه، في ثلاثينات القرن الماضي، حسب قواعد المعمار التقليدي في مراكش، وخلال الفترة ما بين 1950 و1985 تم استعمال المبنى كمدرسة، ثم ترك مجددا يواجه مصيره، بعد ذلك التاريخ.

كل من زار المكان، في أواسط التسعينات، لاحظ أن الحمام قد احتله، كما كانت ساحته الجميلة مغطاة بطيور نافقة وبالريش والفضلات.

واقتنت سوزان بيدرمان، في عام 1998، ملجأ اللقالق القديم لإنشاء مؤسسة لرعاية الثقافة تحمل اسم «دار بلارج».

وزارت «الشرق الأوسط» مركز «جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة» بمراكش، ووقفت على الخدمات النوعية التي يقوم بها في مجال الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة، سواء من خلال الحملات البيطرية داخل المقر أو خارجه، أو من خلال حملات التوعية التي تتم وسط أطفال المدارس وأرباب الحيوانات التي يتم تطبيبها، فضلا عن توفير المأوى والبحث عمن يتبنى القطط أو الكلاب المتخلى عنها أو التائهة.

وإلى جانب ملصقات التوعية، نقرأ في لوحة مجموعة من أبيات شعرية جميلة، للشاعر المصري الكبير شوقي، تحت عنوان «حق الحيوان» تقول:

«الحيوان خلق.. له عليك حق سخره الله لكا.. وللعباد قبلكا حمولة أثقال.. ومرضع أطفال ومطعم الجماعة.. وخادم الزراعة من حقه أن يرفقا.. به وألا يزهقا إن كل دعه يسترح.. وداوه إذا جرح ولا يجع في داركا.. أو يظم في جواركا بهيمة مسكين.. يشكو فلا يبين لسانه مقطوع.. وما له دموع».

ويضم مقر الجمعية قاعات للعمليات والعلاج وإسطبلات للحمير والبغال والخيول، فضلا عن قاعات للكلاب والقطط، وقاعة للتوعية بطرق الرفق بالحيوان، إضافة إلى حديقة وقاعات متخصصة تختصر عمل الجمعية في مجال المحافظة على البيئة والطبيعة.

ومع السنوات، تحول المقر إلى مقصد لأرباب حيوانات الخدمة، من حمير وبغال وخيول، وملاذ للكلاب والقطط الضالة والمتخلى عنها، بل إن بعض الحيوانات، بحكم العادة، صارت تقصد مقر المركز دون أن تكون في حاجة إلى من يقودها إليه.

يقول محمد حسن المريني، الطبيب البيطري المشرف على الجانب التقني بالجمعية، إن عملهم في الجمعية يشمل التدخل الطبي وتقديم النصائح، سواء بالنسبة لحيوانات الخدمة أو حيوانات الاستئناس، مشيرا إلى أنهم يستقبلون نحو 40 حالة يوميا، وأن أغلب الزوار الذين يقصدون المقر لتبني حيوانات أليفة هم أجانب، ملاحظا تزايدا في أعداد المغاربة الذين يقبلون على تبني مثل هذه الحيوانات، والتي تشمل القطط والكلاب.

وجوابا على طريقة تعاملهم في الجمعية مع تعامل المغاربة مع حيوانات الخدمة، بشكل خاص، والحيوانات، بشكل عام، قال المريني إن مهمتهم تنحصر في التطبيب والتعقيم والتوعية، سواء بالنسبة لأرباب حيوانات الخدمة أو أطفال المدارس الذين يزورون الجمعية بين الحين والآخر. وأشار إلى أن الأمر يستدعي في بعض المرات توجيه اللوم والعتاب لصاحب حيوان مخصص للخدمة يظهر من حالته أن صاحبه لا يتعامل معه بالرفق اللازم.

وتحدث، في هذا السياق، عن مشروع قرار تقدمت به الجمعية منذ سنوات، ينص على إمكانية التدخل لسحب الحيوان الذي لا يتعامل معه مالكه برفق، مشددا على أن التوعية والحث على الرفق بالحيوان لا تكفي دون نصوص قانونية واضحة. كما أشار المريني إلى أنهم يلجأون إلى القتل الرحيم لكل حيوان يوجد في وضعية ميؤوس منها، بعد أن يكون صاحبه وقع في وثيقة تقضي بموافقته على ذلك. وأكد المريني أن عملهم يتم بشكل مجاني، ولا ينحصر في استقبال الحيوانات بمقر الجمعية، بل يشمل المدينة وضواحيها، بالأسواق الأسبوعية والقرى المجاورة، ممثلا لذلك بالبغال التي توظف في السياحة الجبلية بمنطقة إمليل القريبة من قمة جبل «توبقال»، فضلا عن المراقبة الطبية التي تشمل خيول 148 من العربات المجرورة، المعروفة اختصارا «الكوتشي»، والتي توظف في نقل الأفراد والعائلات في جولات عبر المدينة، كما توفر الجمعية في عدد من النقط بالمدينة، حنفيات ماء مخصصة لإرواء عطش الخيول المستخدمة في جر هذه العربات.

وانطلقت فكرة «جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على البيئة»، فضلا عن مجال تدخلها، في بداية العشرينات، عقب زيارات قامت بها سيدة بريطانية، تدعى كيث حوصالي، إلى تونس والجزائر والمغرب، حيث انخرطت في عملية تحث أرباب الخيول والبغال والحمير على الرفق بها. وتمتعت الجمعية عام 1976 بصفة «جمعية ذات منفعة عامة». ويمول القسط الأكبر من أنشطتها من طرف الجمعية الخيرية البريطانية، التي يوجد مقرها في لندن.