تونس: الفلاحون يبحثون عن أيد عاملة لحصاد الموسم

تدني الأجور والعمل في ظروف مناخية صعبة وراء العزوف عن الأنشطة الزراعية

حاصدات ميكانيكية ناشطة في موسم الحصاد بتونس («الشرق الأوسط»)
TT

يعيش القطاع الزراعي التونسي على وقع مجموعة من الصعوبات التي باتت تؤرق الفلاحين، فالصابة - أي المؤونة الموسمية أو المحاصيل الموسمية - لم تعد قادرة على انتظار المزيد من الوقت فوق رؤوس الأشجار والنباتات، واليد العاملة الفلاحية المختصة لم تعد متوافرة بما يكفي لجمع مجموعة من الصابات التي تهم قطاعات إنتاجية متعددة نضجت ثمارها مع بعضها البعض.

ويشيد مجموعة من الخبراء التونسيين بأهمية القطاع الزراعي - أو الفلاحي - في استقطاب العاطلين عن العمل للإقبال على جمع الصابة، لكن التقارير نفسها تقول إن العمل الفلاحي يجري في ظل ظروف مناخية صعبة تقترب فيها درجة الحرارة من 45 درجة مئوية، وهذا على الرغم من أن القطاعات الزراعية التونسية لها من الإمكانيات ما يجعلها تمتص أكثر من 500 ألف عاطل عن العمل خلال المواسم الزراعية، وبإمكانها أن تفتح أبواب العمل أمام ما لا يقل عن 100 ألف من العاطلين.

الجدير بالذكر أن القطاع الزراعي في تونس لا يحظى بسمعة طيبة في مجال التشغيل، ولا تقبل عليه في معظم الحالات سوى نساء الأرياف لجملة من الأسباب، بينها تواضع المردود المالي وتدني المستوى التعليمي المرتبط بالمقبلين على العمل الفلاحي. وهنا نشير إلى أن تدني الأجور لعقود عديدة من الزمن لم يشجع الشباب العاطل على الالتحاق بالقطاع الزراعي، فالأجر اليومي تجمد لعقود في حدود لا تتجاوز تسعة دنانير تونسية (أي أقل من سبعة دولارات أميركية) أو أقل في بعض المناطق النائية، وهذا لقاء أكثر من ثماني ساعات من العمل المضني في مناطق الإنتاج المفتوحة على كل الظروف المناخية. وكان مستثمرون في هذا القطاع قد استنجدوا خلال موسم جني الزيتون بأفراد من الجيش التونسي لجمع الصابة في مناطق صفاقس والمهدية بوسط شرق تونس، وكذلك في بعض مدن الوسط والشمال.

وفي هذا الإطار، قال عمر البوجبلي، وهو عامل زراعي من شمال تونس، إن «الفرحة بالصابة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخفي معاناة الموسم الفلاحي مع جمع الصابة وإيصالها آمنة إلى المخازن». وأردف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «مخاطر عديدة تتهددها في ظل عدم توافر اليد العاملة بأعداد كافية، فالعصافير تنقض على الصابة، ومخاطر الانفلات الأمني وإمكانية تعرض الصابة للحرق تبقى واردة». ثم أضاف أن «العمل الفلاحي مضن للغاية، وهو لا يعكس إطلاقا مقدار الجهد الذي يبذله العامل فيه. كما أن غالبية العمال لا يتمتعون بالتغطية الاجتماعية ولا يشعرون بالاستقرار المادي، وهو ما يدفعهم إلى صرف أنظارهم بعيدا عن العمل في القطاع الفلاحي وتفضيلهم التوجه إلى كبرى المدن للانخراط في أعمال أخرى أقل تعبا».

من ناحية ثانية، كان الباحث التونسي منوّر العباسي قد أجرى مجموعة من الدراسات الميدانية أظهرت أن القطاع الزراعي يوفر الشغل لنحو 16 في المائة من اليد العاملة النشيطة، مع أن في مقدور هذا القطاع أن يستوعب ضعفي هذه النسبة. ورد العباسي مسؤولية عزوف التونسيين عن مزاولة العمل الزراعي، في المقام الأول، إلى الدولة التونسية التي قال إنها «لم تسع إلى تطوير القطاع من خلال إدخال الآلات وتطوير أدوات الإنتاج وتحديث البرامج التكوينية في المراكز والمعاهد المختصة، وهذا مقابل اهتمامها الكبير خلال العقود التي تلت استقلال تونس عام 1956 بقطاعات أخرى كالسياحة والخدمات «وهو ما أثر على توازن اليد العاملة في مناطق الإنتاج، ودفع بآلاف العائلات إلى النزوح نحو المدن الكبرى، والتخلص من أراضيها، وهذا إضافة إلى موسمية العمل وعدم استمرار توافره طوال السنة».

ونتيجة لهذا الوضع الصعب، اضطر أحد المستثمرين التونسيين في القطاع الزراعي إلى الاستنجاد بعشرات العمال الأجانب من أجل إنقاذ محاصيله الزراعية، وذلك بعد رفض العاطلين عن العمل جني تلك المحاصيل، مع أن الأجر اليومي في هذا القطاع يتراوح ما بين 14 و17 دينارا تونسيا (ما بين 10 دولارات و12 دولارا أميركيا).

وللإجابة عن بعض الأسئلة التي ترافق العمل الزراعي - أو الفلاحي - في كل موسم، صرح كمال البرهوم، وهو مسؤول فني متخصص، في هذا القطاع، قائلا «إن توزيع اليد العاملة يختلف من منطقة إلى أخرى، كما أنها تتوزع حسب درجة اعتماد الزراعة على الآلات الميكانيكية. فقطاع الحبوب، على سبيل المثال، يتطلب يدا عاملة محدودة، وذلك نظرا لاعتماده على الآلات الحاصدة الدارسة، في حين أن قطاعات إنتاجية أخرى تعتمد أكثر على اليد العاملة الفلاحية، ومن ذلك جمع الطماطم والبطاطا والغلال المختلفة».

وأضاف البرهوم في تصريحه أن «جمع صابة الفول والحمّص عملية تعتمد كليا على الأيدي العاملة، وهي بالتالي من المجالات التي تواجه صعوبات في توفير من يجمعهما عند كل موسم. ولا يكاد يمر الموسم من دون مصاعب تقف أمام المستثمرين في القطاع الزراعي». واعتبر أن إعادة الاعتبار لليد العاملة الزراعية وتمكينها من مجموعة من الحقوق مثل الأجور التي تضاهي بقية الأنشطة الاقتصادية (مثل العمل الإداري أو في القطاع السياحي) والعطلات الأسبوعية وتوفير التغطية الاجتماعية الضرورية، كل هذه الضمانات الإضافية قد تفتح أعين الشباب التونسي على القطاع الفلاحي القادر من الناحية النظرية على استيعاب مئات الآلاف من العاطلين.