تونس: محاصيل الحبوب بعد الحصاد.. طوابير طويلة أمام المخازن

نعمة ونقمة على الفلاحين

شاحنات تحمل محاصيل.. في طوابير الانتظار («الشرق الأوسط»)
TT

مشهد طوابير الشاحنات من مختلف الأحجام أمام مخازن الحبوب في مختلف أنحاء ولايات تونس يثير الفضول، لا سيما أن بعض هذه المخازن، أو المستودعات، لم يفتح أبوابه أمام الفلاحين لبيع محاصيلهم إلا منذ وقت قصير. ولئن كانت الصورة تبعث على الابتهاج لدى الناس العاديين وسط حديث عن إنتاج غير مسبوق بلغ 25 مليون قنطار من الحبوب، يباع نصفها فقط، فإن الفلاحين تغمرهم مشاعر متباينة. هناك طبعا السعادة بأسعار الحبوب غير المسبوقة والأفضل على مستوى المنطقة المغاربية، وفي المقابل، تجد الشكوى من طول الانتظار، لا سيما في مناطق الوسط، وتحديدا في مدينة القيروان ومحيطها.

«الشرق الأوسط» التقت بعض الفلاحين، فقال أحدهم شاكيا: «منذ يومين ونحن ننتظر. لا توجد ناقلات وهناك قلة في عدد العمال الذين يتولون إنزال أكياس الحبوب. ثم إن المعدات المستخدمة في المخازن قديمة وبطيئة، وهذا سبب بطء الحركة». وقال آخر: «نحن هنا منذ يومين في المكان نفسه، ولا يمكن الدخول إلى المخازن قبل مضي 24 ساعة على الأقل».

الفلاحون العالقون أمام المخازن طالبوا بضرورة بحث سبل تسهيل عملية استقبال المحاصيل، وتساءلوا هل عليهم تنظيم احتجاجات حتى تلقى مطالبهم آذانا صاغية.

بلقاسم الهداجي، أحد هؤلاء، قال لنا: «لدي 2000 كيس شعير و1000 كيس قمح (يصل وزن الكيس الواحد إلى أكثر من 100 كيلوغرام) أقوم باستئجار شاحنة يوميا بألف وخمسمائة دينار (نحو 750 يورو تقريبا)، ولكن هناك اكتظاظا، ولا يوجد عمال بالعدد الكافي.. إننا نطالب باليد العاملة»، وهذا بجانب المطالبة بمخازن أكبر مما هو موجود حاليا في مناطق الوسط.

داخل بعض المخازن في مناطق الوسط، كانت هناك عينات من الحبوب لنقلها للمختبر وإعطاء نسخة منها للفلاح. وعما هو حاصل هنا قال رمزي سلطاني، وهو موظف: «المختبر أخذ عينة لمعرفة نوع القمح وقيمته المادية». ولكن المختبر ما كان قد فتح بعد والساعة تجاوزت العاشرة صباحا في ذلك اليوم.

وحول طوابير الشاحنات وانتظارات الفلاحين، قال المالكي مباركي، المتفقد الجهوي الفلاحي، لـ«الشرق الأوسط» عندما التقيناه: «في عام وفرة وطفرة المحاصيل، يكون الوضع كما تلاحظون، لذلك أشعر بالغبطة لهذا المشهد الذي هو علامة خير وبركة، وبصراحة لا أدري أين هو المشكل». وعندما ذكرنا له أن المشكل يختصره الفلاح في طول الانتظار، الذي يزيد على 24 ساعة أحيانا، رد قائلا: «إذا كان الفلاح يقوم بعمل لمدة 10 أشهر ويريد مني أن أقبلها في يوم واحد فهذا غير منطقي، وبخاصة أننا نتصرف في أربع مواد هي القمح الصلب والقمح العيش والشعير والفارينا». وأوضح مباركي أن طرق تجميع المحاصيل بحاجة للتجديد، ومن ذلك الاستغناء عن الأكياس عند الحصاد ونقل المحاصيل؛ «لأن ذلك يحد من الإسراع في عملية فحص المحاصيل ووزنها، إضافة إلى طرق إجرائية من بينها الاتفاق مع الفلاحين على موعد جلب محاصيلهم إلى المخازن العامة، أي مجموعة بعد مجموعة، وذلك كي لا يحصل اكتظاظ كما هو حاصل الآن».

وعن سبب اعتماد الطريقة التي ذكرها، وهي معتمدة في عدد من الدول بينها المغرب وفرنسا والبرازيل، أشار مباركي إلى أن «هذه الطريقة تنفد صبر الفلاح الذي يعمل 10 أشهر، وبالأحرى يدفع طيلة هذه المدة تكاليف الحرث، والسقي، والأسمدة، وغير ذلك، وقد لا يعجبه الموعد.. وقد يثير تساؤلات حول موعد متقدم عليه لفلاحين آخرين. لذلك تركنا الأمر لمن يأتي أولا، والأول فالأول وهكذا».

ثم كشف مباركي عن عمل مضن يقوم به الموظفون في المخازن وأماكن استقبال الحبوب، «فلا بد من معرفة نوعية الحبوب، والشوائب التي هي فيها، ويجب تحري الدقة والحرص على تحاشي الغش، وهذا يعني أن علينا معاينة كل كيس للتأكد من محتواه». وشدد على أهمية تغيير طريقة الحصاد والنقل إلى المخازن للبيع، وذلك بالاستغناء عن الأكياس تماما، ونقل المحصول الخام إلى المخازن لبيعه مباشرة. ثم شرح عن وجهة أطنان الحبوب بعد تجميعها في المخازن العامة داخل الولايات (المحافظات)، فأفاد بأنها «تذهب إلى أماكن الاستهلاك، مثل المطاحن الكبرى للشركات التعاونية والمجامع المهنية، كشركات صناعة العجين والمعجنات كالمعكرونة والسباغيتي والشربة ودقيق الخبز، وكل ما ننتجه من الحبوب يبقى ويصنع في تونس».