العرضة الجنوبية فلكلور شعبي سعودي يؤدى في حفلات الزفاف والمناسبات

حيث تتداخل القصائد الشعرية مع الرقصات بالسيوف والخناجر

أداء العرضة الجنوبية.. بالسيوف («الشرق الأوسط»)
TT

تحظى حفلات الزفاف وبعض المناسبات الكبرى بطابع خاص عند أهالي جنوب المملكة العربية السعودية، إذ يجتمع الأهالي والضيوف في الساحات أو المكان المراد عمل المناسبة به، ويتولى شيخ القبيلة مهمة الاستقبال والترحاب من خلال إلقائه كلمة ترحيبية ودية بالحضور والضيوف. ويميز أفراح أهالي الجنوب اهتمامهم بـ«العَرضة الجنوبية»، وهي فن جميل تتناسق فيه الكلمات والأقدام في وقت واحد، ويردد الجميع نهاية البيت بصوت واحد مع حركة تقديم القدم في آن معا.

من ناحية ثانية، يتغنى بشعر العَرضة أهل الجنوب السعودي، ابتداء من محافظة الطائف ومنها باتجاه الجنوب حتى إلى منطقة عسير. وفي العادة، تكون هناك مجموعة من الأشخاص يحملون بنادق تسمى محليا «المقمع»، وكذلك نوع آخر يسمى «الفتيل». ويدخل هؤلاء إلى وسط الحفل بتناسق معين على وقع قرع الطبول، فيطلقون «الفتيل» - وهو مشابه للرصاص الحي - نحو السماء في وقت واحد، ويكون له دويّ، مما يضفي على الجو وسط الجميع حالة من الحماسة الشديدة.

ثم يوجد أيضا ما يسمى «المزيف» أو «الزواع» أو «المحمل»، وهي أسماء ثلاثة تعني شيئا واحدا، هو الشخص الذي يقوم بأداء فن معين بمفرده في الساحة. وهو في هذه المناسبات يجري وسط الميدان، ثم يقفز عاليا برفع قدم واحدة، مما يسهم في تنظيم المرددين الذين يقفون في صف واحد، وبذا تكون القفزة بمثابة ناقوس تنبيه لرفع المرددين أقدامهم معه في اللحظة نفسها، وهذا الجزء عبارة عن تنظيم للحفل أيضا..

أما الطبول، فتتعدد أنواعها مع تعدد الأماكن، مثل تهامة، والطائف والباحة، وسبت العلاية وبيشة، والنماص وتنومة، أما الشخص الذي يتولى قرع الطبلة فيسمى «المزلف». في حين يشارك في المناسبة شاعران أو أربعة شعراء غالبا، ويلتزم أصحاب هذا الفن بالرقص الرجولي حاملين السيوف والبواريد (البنادق) والخناجر.

وتجدر الإشارة إلى أن العَرضة الجنوبية تزاولها قبائل بني حارث بالطائف، وبني مالك وغامد وزهران وشمران وبلقرن وعليان وشهران وبلحمر وبلسمر وقبائل تهامة، وتنظم عموما في المناسبات الاحتفالية المفرحة من حفلات الزفاف (الأعراس) والأعياد والمهرجانات الشعرية.

ويشرح محمد بن عايض القرني، وهو ناقد في مجالي الشعر والنثر النبطي، أن «العرضة الجنوبية حالة تطور أو تقليد لحالة تأهب القبائل في الماضي من الأيام للحرب، وهذا أمر يؤكده ما يصاحب هذه الرقصات من سيوف وخناجر وطبول». ويضيف القرني: «لا توجد نصوص في التراث العربي القديم يمكن من خلالها الربط بينها وبين واقع العرضة التي تعرف اليوم. إلا أن الملاحظ بكل وضوح، أن أركان العرضة الأساسية كانت ملازمة للحرب منذ أيام الجاهلية، فالطبول تُقرع منذ القدم في الحرب، والسيف يُحمل، والشعر الحماسي يشكل عنصرا أساسيا من عناصر التهيئة للحرب، وهذا بالضبط مقومات العرضات بشكل عام سواء في الجنوب أو أي مكان آخر من المملكة العربية السعودية».

وأما عن شعر العَرضة الجنوبية، فهو حسب القرني «قصائد يرددها الشعراء بالألحان الجنوبية التقليدية، وإبان إلقائها يكون الشاعر الثاني مكملا للشاعر الأول بما يسمى (الشقر)، واسمه اللغوي الفصيح (الجناس) سواء التام منه أو الناقص. وعلى سبيل المثال للتام، أن يقول الشاعر (واحسب حساب الثلاثة والاثنينه)، ويعني بالكلمتين العددين 3 و2، ويرد الثاني (واحسب حساب الثلاثة والاثنينة) ويكون قصده يومي الثلاثاء والاثنين من أيام الأسبوع».

ويضيف القرني: «أما الناقص، فيأتي كقول الشاعر (لو يطول الوقت ما قلت لك سبت العلاية، كم لي احصي في عددها مع جمالها)، ويأتي الرد (أنا عيني ما تشاهد مثل سبت العلاية، شفت أنا فيها الطبيعة مع جمالها). وعادة ما تختتم حفلات العرضة بفن (اللعب) أو (المسحباني)، وهو عبارة عن قصائد بصوت عذب يكون التوجه فيها عادة إلى الغزل، وهذا اللون عموما مطلوب من قبل كبار السن، وتمتاز به عده قبائل مثل قبائل النماص وتنومة وسبت العلاية».

ومن أبرز شعراء العَرضة الجنوبية، كل من عيضة بن طوير المالكي، ومحمد بن مصلح، ومحمد الغويد الغامدي، وسعد بن عزيز، ومحمد بن ثايب، وسعيد بن هضبان، وبن شافي الأكلبي، ومحمد بن حزام. وهناك اليوم من الجيل الصاعد، كل من أحمد بن شباب وإبراهيم الشيخي وعلي العبسي.

هذا، ويتميز الشعراء في تقديم العرضات الجنوبية بأنواع مختلفة من الشعر، فمنهم من يجيد شعر المديح، ومنهم من يجيد شعر الحكمة، ونفر ثالث يجيد الهجاء، وهناك من يضيف إلى حفلات العرضات الجنوبية طابعا خاصا فيجعلها مسابقة ويخصص جائزة للأفضل، وفيها يجري تقسيم الشعراء الحاضرين في وجود حكم للتقييم، ويكون الحكم على علم بالوزن والقافية ودراية بقوة المعاني.

ويضيف الناقد الشعبي القرني أن هناك أيضا «من يقوم بإضافة عامل الإثارة للحفلات من خلال تقديم لغز للجميع من الحضور أو الشعراء أو مشاهدي الحفل، ومَن يحل اللغز يكسب الجائزة». ويتابع أن «موسم الصيف يعد أكبر موسم لإقامة حفلات الشعر وقصائد العرضة، وأتمنى أن تكون هناك دروس في المناهج التعليمية حول هذه التراثيات، التي لا تزال قائمة بحكم تداولها عمليا وليس نظريا، وفي هذه الدروس المأمولة فرصة لتوثيق التراث لأجيال مقبلة».