تونس: إقبال على السياحة البديلة.. بعيدا عن البحر

خلقت الثورة منافسة بين المدن السياحية والمناطق الريفية

تونسية من سجنان تصنع إحدى قطع الفخار البربري ومنزلها قبلة لأفواج من السياح الباحثين عن منتوج سياحي مختلف («الشرق الأوسط»)
TT

لم يعد البحر والشمس يغريان الكثير من السياح الأجانب والكثير من العائلات التونسية، فقد تم اكتشاف الأقطاب السياحية التقليدية منذ عقود من الزمن، وانتشرت خلال الفترة التي تلت الثورة التونسية أنواع جديدة ومبتكرة من السياحة المعتمدة على مميزات وخصوصيات مختلفة عن السياحة التقليدية التي تقود عادة إلى شواطئ البحر، وانتشرت في الكثير من المناطق التونسية إقامات ريفية ودور ضيافة وفتحت عائلات تونسية بمناطق ريفية نائية أبوابها أمام من يريد اكتشاف التونسيين وعاداتهم على سجيتهم دون مركبات اجتماعية تعتمد على ما تقدمه السياحة الفندقية من إمكانيات مادية على مستوى الخدمات قد لا تختلف كثيرا عما يعرفه السائح في موطنه الأصلي.

وخلقت الثورة التونسية منافسة عميقة بين المدن السياحية المعروفة بتقاليدها السياحية المعتمدة على المجموعات الكبرى من السياح، وبين المناطق الريفية التونسية التي أعادت الكشف عن إمكانياتها بعد الثورة التونسية، ويتم ذلك بعد عقود من الزمن غبطت فيها تلك المناطق الفقيرة ولم يستطع الكثير من السياح التوجه إلى هناك واكتشاف ما لا يراه السائح في المناطق السياحية التقليدية.

سياحة بديلة... سياحة تكميلية أم سياحة بيئية؟... لا يهم فهذه التساؤلات لا تغير الكثير من واقع سياحي جديد تعمل الهياكل التونسية المهتمة بالسياحة العادية التي تأثرت بعد الثورة، على إعادة التعريف به بين السياح وترى فيه إمكانيات كبرى للتعرف على أعماق تونس. في هذا الإطار يقول خالد الطرابلسي المسؤول عن الاستثمار والمنتوج السياحي بالديوان الوطني للسياحة التونسية، إن السياحة البديلة تتصف بـ«الرغبة في الاقتراب من الطبيعة والولع بالاختلاط بالسكان المحليين ومعايشة عاداتهم وتقاليدهم عن كثب» ويضيف أن هذه السياحة تعمل بالأساس على الكشف عن «الإمكانيات الغابية والفلاحية والصحراوية» في تونس وهي كثيرة ومتعددة بتعدد المناخ والمعطيات الطبيعية والجغرافية المميزة للبلاد. وأضاف الطرابلسي: لا يفترض بالسائح القادم إلى تونس الاكتفاء بالمناطق السياحية التقليدية بل يجب أن يتمكن من التحول إلى سليانة وسيدي بوزيد والقصرين وجهات الشمال الغربي الفقيرة ويساهم في خلق حركية بتلك الجهات، وتتصل هذه النوعية الجديدة من السياحة عادة بحضور ممارسة الأنشطة الحرفية مثل صناعة الفخار التقليدي في سجنان (شمال تونس)، وركوب الدراجات الهوائية في المسالك الفلاحية والحيوانات من خيول وحمير بالممرات الغابية وتنظيم رحلات سير على الأقدام وتقديم منتوجات غذائية بيولوجية خاصة بكل جهة من جهات تونس (البرتقال والحليب الطازج والتمور والزيوت والأجبان وغيرها من منتجات مميزة لكثير الجهات التونسية).

وبالإمكان استغلال ضيعة فلاحية أو دار ضيافة تتسم بقيمة معمارية وسياحية ذات خصوصية على غرار الديار القديمة في المدينة العتيقة لتقديم خدمات سياحية مشخصة تلبي حاجيات بعينها. تأتي لتعزز الوحدات الفندقية المتواجدة على طول السواحل التونسية بنزرت ونابل والمنستير وجرجيس وجربة التي توفر منذ السبعينات منتوجا شاطئيا لم يعد قادرا على الاستجابة لمتطلبات صنف جديد من الحرفاء.

ويستهدف هذا الصنف من الإقامات السياحية الجديدة حرفاء ذوي اهتمامات مغايرة لحرفاء المنتوج الشاطئي الاستلقاء للتمتع بأشعة الشمس إذ أنهم يولون أهمية خاصة إلى مميزات البناية بمختلف جهات تونس مثل المدن العتيقة ويدفع السياح حتى يتمكنوا من معايشة واقع الدور القديمة ذات العمارة والفن العربي الإسلامي بمختلف التجاويف في الجدران والقبو والسقيفة وبيت «الحجام» (الحلاق) وغيرها.

حول هذه النوعية الجديدة من السياحة يقول طارق النفزي (أحد المروجين للسياحة البيئية) إن السائح الأجنبي بإمكانه أن يدفع أضعاف ما يدفعه في مجال السياحة التقليدية، ويذكر أن أحد السياح المتزوجين حديثا طلب منه استئجار مركب صيد واصطياد الأسماك وتقديمها مشوية إلى زوجته في أعماق البحر وقال: إنه مستعد لدفع المبلغ المالي الذي يريده. كما أن سائحا آخر أراد حضور جني محصول الزيتون والاطلاع على الطرق التقليدية في الحصول على زيت الزيتون البيولوجي في تونس، وطلبت إحدى السائحات مشاهدة أحد العصافير النادرة في موطنها الطبيعي، ويعتبر النفزي أن مثل هذه الطلبات الغريبة بعض الشيء تخفي وراءها نوعية مختلفة من السياح بعيدة كل البعد عن «سياحة الفقراء» كما يطلق على السياحة التقليدية، ويرى أن السياحة البديلة بإمكانها أن تغير واقع السياحة التونسية إذا ما اعتمدت على اختصاصيين لهم القدرة والمعرفة على تقديم معلومات علمية عما يوفرونه للسائح المفترض.