تونس: باعة الدلاع المتجولون يبحثون عن لقمة عيش على حواف الأرصفة

أسعارهم رخيصة مقارنة بمثيلتها الآتية إلى الدكاكين من أسواق الجملة

بيع الدلاع من صندوق شاحنة صغيرة في إحدى المدن التونسية («الشرق الأوسط»)
TT

تغطي زراعة الخضار في تونس مساحة 150 ألف هكتار قابلة للزيادة، وهناك أكثر من 190 ألف منتج - أي مزارع - في هذا الميدان. وتنتج تونس حاليا نحو 3 ملايين طن من الخضار سنويا أغلبها ينتهي في السوق المحلية، أما التصدير فهو لا يزال متواضعا، إذا استثنينا عمليات التهريب إلى ليبيا والجزائر. ومن جهة ثانية، تنتج تونس من الدلاع - الذي يعرف في مناطق العالم العربي بأسماء مختلفة مثل الرقي والبطيخ الأحمر والحبحب - نحو 500 ألف طن وفق الإحصائيات الرسمية، بينما الواقع يكشف عن أنها أكثر من ذلك وتتجاوز المساحة التي يزرع فيها الدلاع 22 ألف هكتار.

وفي ظل اختلال الموازين بين حقوق المزارعين، واستيلاء الوسطاء على نصيب الأسد من عمليات البيع في أسواق الجملة، يجد باعة الدلاع، فرصتهم «لتخليص» المزارع من رسوم التموضع داخل أسواق الجملة التابعة للبلديات، وفي الوقت نفسه الحصول على لقمة عيش. ووسيلتهم هنا هي شراء الدلاع بالجملة من المزارع مباشرة، والبحث عن ركن أو رصيف في بعض شوارع المدن الكبرى يركنون فيه شاحناتهم وسياراتهم الصغيرة لبيع الدلاع بالحبة للمواطنين الذين يلمسون إذ ذاك الفارق في الأسعار بين هؤلاء الباعة «الجدد» والتجار أصحاب الدكاكين.

منتصر الظاهري، أحد هؤلاء الباعة «الجدد» قال لنا: «أشتري الدلاع من الفلاحين في الرقاب (تابعة لولاية سيدي بوزيد) وأبيع هنا بالحبة». وبالمناسبة، أسماء الباعة ليست بالضرورة هي نفسها في بطاقة التعريف (الهوية)، وذلك لأن هناك خشية من العقوبات ضد ما يعرف في تونس بالتموقع العشوائي، أو أخذ حيز من الطريق العام بشكل غير منظم وغير مصرح به من السلطات المعنية.

يبيع منتصر الحبتين من الدلاع، ومفردها باللهجة التونسية «دلاعة»، بدينار واحد، ولم يكن أي تاجر يبيع الدلاع بذلك السعر الزهيد، فسعر الحبة الواحدة لا يقل عن دينارين، ويصل إلى أكثر من 7 دنانير، ويعلق منتصر قائلا «كما ترى لا أرفع صوتي لجلب الزبائن، ولكن الناس وحدهم يأتون يستطلعون ويسألون عن الأسعار ويأخذون حاجتهم».

وشرح تاجر آخر يدعى، رضا الرياحي، طريقة الحصول على الدلاع، فقال: «نذهب للمزارعين يوما ونغيب عنهم في اليوم الآخر أو كل يومين لجلب الدلاع بأسعار السوق، وبذلك يتجنبون دفع الرسوم ونحن أيضا».

تاجر متجول بشاحنة، من زعفرانة، قدم لنا نفسه باسم الطاهر المسعودي، قال: «نذهب إلى الشبيكة وزعفرانة وعبيدة، ونتفق مع الفلاحين على الكمية والسعر، ثم ننقل الدلاع في شاحناتنا إلى المدن وبدل الذهاب إلى السوق، نقف على الأرصفة وفي أماكن يكثر فيها المارة، ونبيع ما عندنا.. أحيانا نبيع كل البضاعة في سويعات قليلة، وأحيانا نضطر للعودة في اليوم الموالي».

يعرف الناس الدلاع من حجمه، فالحجم الكبير هو المروي بماء الآبار العميقة المتدفقة بقوة، والدلاع المتوسط الحجم هو المروي بمياه الآبار السطحية، والتي يمكن، مع هذا، أن تنتج دلاعا كبير الحجم هي الأخرى إذا كانت التربة غنية والجذور مروية بشكل جيد أي يوما بعد يوما، أما الدلاع الصغير الحجم فهو المزروع مع الفلفل، وحول هذه النقطة قال أحد الباعة: «كثير من الفلاحين يزرعون الدلاع مع الفلفل، ولتشابك جذور النبتتين يكون الحجم صغيرا وحلو المذاق، ويطلق عليه في تونس اسم (دلاع التومسون)».

بائع دلاع متجول عبر شاحنة يدعى، عمارة الفرحاني، من سيدي بوزيد، بادرنا موضحا أنه: «كانت هناك مضايقات من قبل البلديات والشرطة لنا قبل الثورة، ولكن والحمد لله الوضع الآن ممتاز. أنا اليوم أبيع في سوسة والمنستير والقيروان، ولم تعترضني أي مشكلات»، وعما إذا كان الزبائن يطلبون رؤية الدلاع من الداخل قبل شرائه، وهو ما يعرف في تونس باسم «البط» أفاد عمارة: «هناك من يشتري ويطلب رؤية قلب الدلاعة وهناك من لا يفعل ذلك». في حين يؤكد بعض الزبائن أن الدلاع الذي يباع في شاحنات صغيرة، أفضل من ذاك الذي يشترونه من الدكاكين ومحلات بيع الخضار. وعلق أحدهم: «هذا الدلاع آت مباشرة من المزارع، ولم يمض عليه وقت طويل كحال أكداس الدلاع في الشوارع، والميزة الثانية أنه يمكن شراء 4 حبات بوزن وسعر حبة واحدة عند محلات بيع الخضار».