مدن تونسية تحولت أكداس القمامة فيها إلى مراع

وسط قلق على تأثيرها على الصحة العامة والتنمية والسياحة

دجاج يرعى بين أكوام القمامة المكدسة في الطرق والساحات في بعض المدن التونسية («الشرق الأوسط»)
TT

تثير قطعان الماشية، وحتى الدجاج الذي يمكن مشاهدته في شوارع عدد من المدن التونسية، استغراب كثير من المواطنين، فضلا عن السياح.

في عدد من المدن، خاصة الأحياء الممثلة لأحزمة المدن، يشاهد المرء يوميا، لا سيما في فترات الصباح قطعانا من الأغنام حول حاويات القمامة. كما أن هناك مناطق كثيرة لا توجد فيها حاويات، مما يضطر السكان لرمي النفايات في مكان قريب حتى تحولت النفايات إلى أكداس. ومن ثم، تجد قطعان الغنم والماعز والدجاج ضالتها في هذه الأكداس، لا سيما مخلفات الخضار والخبز. وهذا الوضع دفع إلى التساؤل المرير حول ما إذا كانت البلديات قد حولت أكداس القمامة، حقا، إلى مشروع استثماري؟

وحسب بعض المتابعين، عززت التساؤلات أن مسؤولا نقابيا كبيرا «أهدى» للمدينة التي يتحدر منها، بعد توليه منصبه مباشرة، ما يوصف بـ«10 أيام زبالة»، أي 10 أيام لا ترفع فيها القمامة من الشوارع، بينما يثير البعض الكلام عن وجود علاقة ما لذلك بظاهرة قطعان الماشية والدجاج المنتشرة في الأحياء السكنية، لا سيما أحزمة المدن، وما إذا كان لها علاقة مع «بيزنس» الأغنام والدجاج المنتشر في مزابل المدن، مع ارتفاع أسعار العلف؟

امرأة ترعى قطيعا من الأغنام، اسمها محضية، قالت لـ«الشرق الأوسط» عندما التقتها «هذا القطيع لأحد المسؤولين في البلدية، وأنا أرعاه له مقابل 200 دينار في الشهر». ولكن، بطبيعة الحال، لم تفصح الراعية عن اسم المسؤول. كذلك لم تجب عما إذا كان مبلغ 200 دينار يمكن استدراره من خلال هذا الاستثمار العجيب. غير أن شخصا أفاد بأن «القطيع تملكه المرأة، لكنها خشيت أن يكون السائل من الشرطة فزعمت أنه يعود إلى مسؤول في البلدية».

ومن ناحية ثانية، أكد عدد من الفتية أن لجيرانهم أعدادا من الخرفان يطعمونها بقايا الخضار والغلال، وحتى الأطعمة، التي يلقي بها أصحابها في النفايات سواء كانت في حاويات أو أكداس من القمامة. وتابع أحد الفتيان: «بعضهم يعمد لكب الحاويات لتتمكن أغنامه من الوصول إلى الأشياء التي يمكن أن تأكلها».

والواقع أنه ما عادت الأغنام فقط ترعى داخل الأحياء السكنية، بل شاهدت «الشرق الأوسط» دجاجا يجول حول عدد من مكبات النفايات والقمامة، بل في غياب وجود مثل تلك المكبات. وقال جزار في إحدى المدن الكبرى لديه عدد من الدجاج الصغير الحجم يطلق عليه في تونس «الدجاج المصري» عن هذه الظاهرة «بعض الناس يربي الدجاج عوضا عن أن يربي العصافير». وفي منطقة لا تبعد كثيرا عن مرافق تونسية سياحية، تجمع بين المتعة والترفيه والثقافة والصحة، كانت أعداد من الدجاج تنبش مكبا للنفايات. وعلمنا لاحقا أن نسبة لا بأس بها من سكان المدن ما عادوا يذهبون إلى الأسواق لشراء الدجاج «البلدي» والبيض «البلدي»، ناهيك بالخروج للبادية لهذا الغرض، بل أصبحوا يحصلون على ذلك من خلال قيامهم بتربية الدواجن داخل أحيائهم السكنية، وهذه الدواجن تقتات على مزابل البلديات.

«العم» بشير (68 سنة)، وهو مواطن عادي، لم يظهر خلال لقاء معه أنه متضايق من الوضع، إذ قال إن «تربية الدواجن لالتقاط الطعام قبل تعفنه أفضل من تركه للتحلل وإطلاق الروائح الكريهة في غياب الخدمات البلدية، كما أنه أفضل من حرق النفايات مع البلاستيك وما في ذلك من أضرار على الصحة».

أما جلال السماتي، وهو تقني في أحد المصانع، فأرجع الظاهرة إلى أن «أهل القرى عندما ينزحون للمدن لا يغيرون عاداتهم في الغالب. ومعظم أهل المدن اليوم من القرويين الذين نزحوا إلى المدن، بينما نجد كثيرين من أهل المدن استوطنوا في الخارج».

وفي نهاية المشوار، التقت «الشرق الأوسط» وزير الصحة التونسي عبد اللطيف مكي، الذي علق متطرقا إلى الوضع الصحي وتأثير تراكم القمامة، فقال «الصحة العامة دعامة للاقتصاد. والمجتمع الذي تتفشى فيه الأمراض لا يستطيع أن ينتج تنمية ولا حضارة ولا أي شيء. وبالتالي فالعناية بالصحة تعتبر أولوية وطنية، وأنا أدعو إلى جعل وزارة الصحة وزارة سيادة مرتبطة برئاسة الوزراء أصلا». وأردف «إن تراكم الأوساخ - مثلا - له تأثير سلبي على التنمية وعلى البيئة وعلى السياحة، وقبل كل ذلك على الصحة العامة. وهي تساعد على انتشار الجراثيم والأوبئة، لذلك تعتبر نظافة البيئة والمحيط قضية وطنية. وستكون قوانيننا التي تتصل بالصحة صارمة في هذا المجال، وستقر أشد العقوبات على المخالفين للقانون وإعطاء حوافز تشجيعية لمن يحافظون على البيئة».