الدار البيضاء: 300 كلب تسوق أسبوعيا في «سوق الكلاب»

المدربة منها للحراسة.. والشرسة من أجل التباهي... والجميلة للموضة

جانب من سوق الكلاب في الدار البيضاء (تصوير: سعيد بنرحمون)
TT

كثيرون تستهويهم تربية الكلاب. هناك من يعتبر امتلاك كلب مظهرا من مظاهر التباهي والموضة، وهناك من يتخذها حرفة يتاجر فيها.

في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، توجد «سوق للكلاب» يقصده الناس من كل مكان، وهو سوق يجاور «سوق القريعة» إحدى أشهر أسواق المدينة. وينظم هذه السوق مرتين خلال عطلة نهاية الأسبوع في المغرب، أي يومي السبت والأحد، وفيها تباع مختلف أنواع الكلاب من شتى السلالات. كذلك تتفاوت أحجام الكلاب والحاجات لشرائها، فالكلاب المسالمة ذات الشكل الجميل والأنيق مثل «الكانيش» و«الشيواوا» التي تربى بغرض الموضة والتدليل، في حين يفضل البعض اقتناء الكلاب القوية الشرسة مثل «الدوبرمان» و«البيت بول» و«الروثفالير» التي يصلح بعضها للحراسة.

تقع سوق الكلاب، المشار إليها، في ساحة مفتوحة تقدر مساحتها بنحو خمسة آلاف متر مربع، وتفيد إحصاءات غير رسمية عن تسويق نحو 300 كلب من جميع أنواع الكلاب وأشكالها كل أسبوع. والمفارقة أنه أيا كانت حالة الطقس، سواء خلال أيام الحر الشديد أو البرد القارس أو أيام تهاطل الأمطار، فإن باعة هذه السوق يمارسون تجارتهم بصورة عادية، وفي جميع الأيام يقف رجال وشباب وحتى أطفال ونساء على قارعة الطريق لتسويق كلابهم.

يقصد الناس سوق بيع الكلاب في الساعات الأولى من الصباح، وحقا، كل من أراد شراء كلب لغرض معين سيجده هنا. في العادة ينتظر باعة الكلاب لفترات طويلة قبل أن يبيعوا كلبا، لكن هذا الأمر لا يزعجهم، إذ أنهم في الأصل تستهويهم تربية الكلاب، وهم يعرفون السوق جيدا، ويقدرون أن الزبون المناسب سيأتي حتما في الوقت المناسب، وبصفة عامة يفضل الباعة أن يكون الزبون من الطبقة المرفهة كي لا يساوم كثيرا حول السعر.

البائع الجيلالي العبادي، وهو متقاعد يمارس هذه المهنة منذ فترة قصيرة، قال لنا عندما التقيناه «مدخولنا اليومي مناسب، وأعتقد أن الجميع يحقق أرباحا معقولة». وتابع العبادي، الذي استهوته تربية الكلاب منذ عقود قبل أن يمارسها كتجارة، شارحا «لا توجد قاعدة ثابتة في البيع، أحيانا أبيع بين ثلاثة وأربعة كلاب دفعة واحدة، وأحيانا أبيع كلبا واحدا خلال اليوم كله، وفي كل الحالات فإن المدخول متوقع في كل يوم، والزبون سيحضر في كل الحالات».

محمد نديد، بائع آخر في السوق نفسها، وهذه المهنة هي مورد رزقه الوحيد، سرد قصته مع الكلاب قائلا: «في صغري اشترى والدي كلبا، وبعد ذلك بدأ في تجارة الكلاب، وورثت عنه هذه المهنة التي تحولت معي إلى تجارة باتت مورد رزقي الأساسي». وأضاف نديد أنه عبر هذا النوع من التجارة يلتقي معظم فئات المجتمع، ومعها تختلف دوافع شراء الكلاب من فئة إلى أخرى. وهنا أوضح «ثمة من يستخدمون الكلاب في حراسة الفيللات والمنازل الفاخرة وهذه الكلاب عادة ما تكون مدربة وكبيرة الحجم، كذلك بعض المشترين من يرغب فقط في التباهي بكلبه بين أقرانهم وزملائهم، حتى يبينوا أن لديهم كلابا شرسة وقوية في مجال الحراسة، من قبيل كلاب (البيت بول تيريير). وطبعا بين المشترين من هم من هواة الصيد وهؤلاء يشترون كلابا ممتازة للصيد مثل (السلوقي)، أما النساء والفتيات فيشترين كلابا صغيرة وجميلة الشكل للمداعبة والتدليل، مثل كلاب (الشيواوا) أو (الكانيش) على اعتبار أن اقتناءها يساير الموضة».

حاليا يربي محمد نديد بعض الكلاب ويشتري البعض الآخر، كما أنه يزاوج وعند الولادة يعتني بالجرو إلى أن يشتد عوده ثم يبيعه بعد ذلك. كذلك فإنه يشتري كلابا في بعض الأحيان من تجار آخرين بأسعار مناسبة، بسبب ضائقة مالية، ثم يعيد بيعها من جديد حتى يحقق هامشا من الربح.

من ناحية أخرى، يوجد وسطاء كثر ينشطون أيضا في تجارة الكلاب، بحيث يحضر شخص من هؤلاء السلالة المطلوبة للمشتري ويحصل على نسبة من سعر البيع. ومن هؤلاء من يمتهن هذه المهنة من دون أن يتولى بنفسه تربية الكلاب لأنه ليس لديه المكان المناسب لتربيتها، غير أنه مع ذلك يعمل في تسهيل عملية البيع والشراء بين البائع والمشتري ليتقاضى عمولة.

حسب الخبراء، أول ما يسأل عنه الزبون هو أصل الكلب، وهل يتوافر على أوراق قانونية؟ وبعدها تبدأ عملية المساومة على السعر. وتختلف أسعار الكلاب، وذلك طبقا لنوع الكلب والسلالة التي ينتمي إليها (أصله وسنه وميزاته) وطبعا العرض والطلب، وفي هذا الصدد يلجأ المربون إلى عدة طرق لتحسين مظاهر كلابهم عن طريق الاعتناء بها، ويستخدمون لأجل ذلك، طرقا عدة. وتتراوح الأسعار بين 1500 درهم (170 دولارا أميركيا) و80 ألف درهم (تسعة آلاف دولار). وتعد الكلاب من نوع «البرجي بيلج مالينوا» من أشهر أنواع الكلاب التي تستورد حاليا من الخارج والأكثر طلبا في الأسواق، نظرا لجمال شكلها وتفوقها في أعمال الحراسة. وتأتي في المرتبة الثانية فصيلة «السلوقي» وفصيلة «بيرجي الأطلس» لشهرتهما في الصيد. أما كلب «البيت بول»، رغم ارتفاع سعره، فإنه لا يعرف إقبالا كبيرا نظرا لشراسته، وبالتالي لا يشتريه إلا أولئك الذين يعرفون جيدا أصول تربية الكلاب.

وهنا لا بد من القول: إن أولئك الذين لا يعرفون شيئا عن هذه المهنة، ربما يعتقدون أن التجارة في الكلاب ضرب من الهوس والجنون، إلا أن الذين يعرفون حقا قيمة هذا الحيوان، لا يستغربون أن يترك بعض الناس وظائفهم الأصلية لامتهان هذه المهنة، لأنهم يجدونها مدرة للمال، ومن خلالها أيضا يشبعون هوايتهم في تربية الكلاب.