الحاج «زيزو».. أشهر معد ساندويتشات في قلب القاهرة الفاطمية

عنوانه الرائحة.. ويتردد عليه الفنانون وعلى رأسهم عادل إمام

مطعم «زيزو» المكان المفضل للفنانين بقلب القاهرة الفاطمية («الشرق الأوسط»)
TT

هذا المطعم عنوانه الرائحة، فما إن تصل قدماك إلى باب النصر التاريخي في «القاهرة الفاطمية»، وتتأمل عبق الماضي المنتشر في الشوارع وعلى جدران البيوت، بل وفي كل مفردات المكان، حتى تجد نفسك في مواجهة باب المطعم مباشرة. حينئذ ستدغدغ عينيك لافتة كبيرة كتب عليها «تواجدت حيث رائحة التاريخ» هكذا عبر الحاج عبد العزيز مصطفى حمزة الشهير بـ«زيزو» عن أجواء مطعمه، إذ اختار منذ أكثر من خمسين سنة أن يموضع في قلب «القاهرة الفاطمية»، الوسط القديم للعاصمة المصرية، حيث الأصالة و«جدعنة أولاد البلد»، كما يقول، وهو يفتخر بأن النجم عادل أمام جعله مشهدا مضحكا في فيلم «التجربة الدنمركية».

محل «زيزو» أشهر معد ساندويتشات في «القاهرة الفاطمية»، يقع تماما، كما سبقت الإشارة، أمام «باب النصر» مباشرة، ولقد اعتاد رواده على رؤية مشاهير الفن والرياضة جالسين إلى الطاولات الكثيرة المتناثرة أمام المحل، على الرغم من بساطة المكان.

في حوار مع «الشرق الأوسط» قال الحاج عبد العزيز (70 سنة): «اخترت هذا المكان منذ أكثر من خمسين سنة عندما سمعت من جدي قصصا عن بوابة النصر، وكيف كان يدخل منها الجنود منتصرين عائدين من الفتوحات والغزوات. وعندما كنت أسرح بخيالي كنت أتخيل ما سمعته أمامي، ولذلك حرصت على أن يكون المكان بكل مما يحتويه مصريا في الصميم، وإن كان ثمة تغير فهو يحدث بنسبة بسيطة. لهذا السبب يحرص على زيارة المكان أشخاص اعتادوا على الأكل من عندي على مدار سنوات طويلة، ليس بغرض الأكل فحسب، ولكن لأن المكان يحمل ذكريات عتيقة، لا تزال باقية، ولم تفقد بريقها بمرور الأيام».

واستطرد الحاج «زيزو» قائلا «بدأت في هذا المكان بعربة صغيرة لساندويتشات الكبدة والسجق الشرقي لخدمة المحلات المحيطة وسكان المنطقة، وكان سعر الرغيف يومذاك خمسة قروش، وكان زبائني من المنطقة في أول الأمر. ثم اتسعت الرقعة لتشمل أهل الجمالية وخان الخليلي الذين أعجبهم طعم أكلي، هذا بالإضافة إلى المشاهير، فهنا من كان يأتي منذ الخطوات الأولى في مشواره الفني يطلب السندويتشات وزجاجة المياه الغازية ويجلس (يذاكر) الدور ويردده في المكان بصوت عال، خصوصا أن المكان يصبح هادئا أثناء الليل ويساعد على الخيال والإبداع».

وأضاف الحاج «من المشاهير الذين أعتز بترددهم الدائم على المحل الفنان عادل إمام، فهو يأتي هنا منذ أكثر من ثلاثين سنة. وفي أحد الأيام بينما كان يأكل هنا أخبرني أنه سيجعلني (أفيها) طريفا في فيلمه الجديد، وعندما رأيت المشهد في الفيلم وهو يخبر أولاده أنا هاعزمكم عند (زيزو نتانة) ضحكت من قلبي، فهكذا كان يحب أن يناديني الزعيم دائما عندما يطلب سندويتشاته».

وتابع «... عندما بدأت العمل هنا كان هذا المحل عبارة عن عربة صغيرة بواجهة زجاجية، ثم اشتريت محلا صغيرا، وفي ما بعد اشتريت قطعة أرض كبيرة في المكان نفسه، وبنيت عليها عمارة كبيرة لأسكن بها أنا وأولادي، وجهزت الدور الأول ليكون مطعما للساندويتشات، ولكن للأسف لا أحد يفضل الجلوس في الداخل، بل الكل يفضل الجلوس إلى الطاولات المرصوصة خارج المحل حول العربة الصغيرة التي ما زلت احتفظ بها، فهي (وش السعد عليا)».

الجو في هذه المنطقة يجعلك تشعر أنك داخل صفحة من صفحات التاريخ، ولهذا بمرور الأيام أصبحت فقرة مهمة في برنامج كل رحلة سياحية؛ فالأجانب يعشقون ساندويتشات «الكبدة والسجق» ويتلذذون من الشطة الزائدة التي تتميز بها سندويتشاته، وأعينهم معلقة بباب النصر وجمال بنائه وعظمة منظره.

الواقع أنه تتنوع الزبائن وتتعدد طبقاتهم على طاولات مطعم «زيزو»، فعلى طاولة هنا قد تجد فنانا مشهورا، وعلى طاولة مجاورة قد تجد «سايس» عربات، لكن الاثنين يأكلان الطلب ذاته «كبدة وسجق».. أما الحلو فساندويتشات «السكلانس» وهي عبارة عن خليط من القشطة والعسل والحلاوة الطحينية.

وهنا قال لنا الحاج «زيزو» موضحا «... قائمة الطعام مكتوبة باللغة العربية بجانب ثلاث لغات أجنبية، واضطرني هذا لأن أتطور حتى أنال إعجاب جميع الأذواق، خصوصا الأجانب الذين يخافون من التهام كثير من الشطة بعكس العرب والمصريين؛ وبالتالي، أضفت إلى القائمة ساندويتشات الشيش طاووق والروز بيف والكبدة المشوية والمخ.. وكل هذا يقدم مع سلطة (زيزو) الشهيرة وطبق من البطاطس المسلوقة والمتبلة بالثوم والشطة».

وعند هذه النقطة كشف الحاج عن أحد «أسرار» نجاح سندويتشاته ذات الشهرة العالمية، وهي التتبيلة التي يخلط بها الكبدة والسجق، والتي تحتوي على كثير من الفلفل الأخضر والفلفل الأسود غير المطحون جيدا، مضيفا «ولكن الأهم يبقى نظافة المكان، والابتسامة التي لا تفارق وجوه العاملين وتفانيهم في خدمة الزبائن».

ثم أنهى كلامه بالقول: «إن الأرزاق بيد الله. أنا لم أتخيل يوما، عندما بدأت من الصفر، أن أصبح صاحب أملاك، أو أن أرى كبار القوم وأجلس معهم. ولكن حبي لمهنتي وإصراري على النجاح في كل خطوة جعلاني أصل إلى ما وصلت إليه، وهذا ليس بالشيء الصعب ولكن يتطلب الصبر والمثابرة».