500 شرطية يبدأن عملهن في شوارع بيروت

المرأة تدخل سلك الشرطة في لبنان

لأول مرة سيكون في عديد قوى الأمن الداخلي في لبنان 553 امرأة، بينهن 483 برتبة رقيب و70 برتبة دركي، سيقمن بمشاركة الرجل في مهامه العسكرية على الأرض
TT

لم يكن مشهد النساء الشرطيات اللاتي حضرن في حفلة المغني العالمي شارل أزنافور على ملعب فؤاد شهاب في جونية للحفاظ على الأمن مشهدا عاديا بالنسبة للبنانيين، الذين وقفوا بسياراتهم يتفرجون على نساء الشرطة ينظمن السير، مما ولد زحمة سير قوية، اعتقد البعض أنها بسبب أزنافور فإذا بها نتيجة وجود العنصر النسائي (الدركيات) في المكان، الأمر الذي لم يسبق أن شهده اللبنانيون على الطرقات من قبل، مما لفت انتباههم وأثار فضولهم.

فلأول مرة سيكون في عديد قوى الأمن الداخلي في لبنان 553 امرأة، بينهن 483 برتبة رقيب و70 برتبة دركي، سيقمن بمشاركة الرجل في مهامه العسكرية على الأرض، وهي خطوة تعتبر جديدة من نوعها في لبنان رغم أنها سبق واتبعت في دول عربية أخرى مجاورة أمثال الأردن والإمارات العربية ومصر.

فمنذ نحو أربعة أشهر بدأ هؤلاء النساء الخضوع لفترة تدريبية توزعن فيها على ثلاث ثكنات عسكرية تابعة لقوى الأمن الداخلي، وهي ثكنات الوروار وضبية وعرمون، وأثبتن فيها قدراتهن المتميزة فكريا وجسديا في كيفية التعامل مع مختلف المواقف التي قد تواجههن على الأرض، وابتداء من الـ18 من الشهر الحالي ستبدأ مهمتهن الفعلية في التنفيذ بحيث سينتشر عدد منهن على الطرقات والشوارع اللبنانية.

«الشرق الأوسط» قصدت ثكنة الوروار في منطقة الحدث والتقت قائد معهد قوى الأمن الداخلي في لبنان العميد إبراهيم بصبوص للوقوف على حيثيات هذه الخطوة، كما كان لها لقاءات مباشرة مع عدد من النساء المتطوعات للعمل العسكري.

يقول العميد بصبوص: «لقد كانت التجربة الأولى لتلك النساء على الأرض خلال الشهر الأمني (يوليو الحالي) الذي دعا إليه وزير الداخلية مروان شربل، فأشركن بدوريات راجلة في شارع مار إلياس (منطقة المزرعة)، كما شاركن في إقامة الحواجز في مناطق أخرى كأسواق بيروت وساحة بعبدا وفي منطقتي جونية وبكفيا وغيرها. ويضيف: «لقد أظهرن اندفاعا وكفاءة وجدارة وتحملا للمشقات تماما كزملائهم الرجال في السلك. ولا أذيع سرا إذا قلت إن لديهن قوة استيعاب عالية تفوق تلك التي يتمتع بها الرجال أحيانا، وأتوقع أن يتدرجن في المستقبل إلى مراكز تراتبية عالية في السلك العسكري ليصلن إلى مراتب القيادة كضباط ونقباء وحتى عمداء». وأشار العميد بصبوص لـ«الشرق الأوسط» إلى أن لبنان «كان بحاجة إلى هذه الخطوة لينخرط بدوره في عالم الثقافة العسكرية المتطورة، لا سيما أن تاريخ وعراقة مؤسسة قوى الأمن الداخلي كانتا وراء الإقدام على هذه الخطوة التي أطلقها مديرها العام اللواء أشرف ريفي منذ ثلاث سنوات». كيف يمضين تلك المتطوعات نهارهن؟ وما التدريبات التي يقمن بها؟ وماذا ينتظرهن خارج الثكنة؟ وما الممنوع أو المسموح في هذه الدورة؟ أسئلة رد عليها العميد بصبوص قائلا: «يبدأ يومهن في الخامسة صباحا لينتهي في العاشرة ليلا ويمارسن فيه الرياضة ويقمن بالتدريبات اللازمة التي ترتكز أولا على اللياقة البدنية ومهارات حفظ الأمن وكيفية استعمال السلاح والتدريب على الرماية والنظام المرصوص وتأدية التحية العسكرية، وليتعرفن عن كثب إلى التنمية العسكرية ومعنى الرئيس والمرؤوس. وتتضمن دروسهن عنوانين: المسلكية والقانونية، فالأولى تتضمن كيفية تنفيذ الخدمة، بينما الثانية يطلعن فيها على قانون العقوبات والمحكمة الجزائية وكيفية سير العمل فيها. أما المهمات التي تنتظرهن فتشمل المداهمات وعمليات حفظ الأمن وتكبيل المطلوبين واستخدام القوة عند اللزوم وهن يحملن العصا والسلاح. وتستغرق فترة تدريبات الدركيات 4 أشهر (وهن اللاتي يصل مستواهن الدراسي إلى ما تحت شهادة البكالوريا القسم الثاني)، بينما تتطلب فترة تدريب الرقيبات 6 أشهر (وهن حائزات على شهادة البكالوريا القسم الثاني وبينهن جامعيات). ومن التعليمات الصارمة التي يجب اتباعها عدم الإقدام على الزواج خلال الدورة التدريبية أو الحمل، وكذلك الامتناع عن وضع الماكياج وإسدال شعرهن. أما النساء اللاتي يضعن الحجاب فسيستعان بهن في مراكز الشرطة القضائية والاستقصاءات وشعبة المعلومات في مديرية قوى الأمن الداخلي. ولن يتم قبول نساء متحجبات أو متزوجات (أو متزوجين من الرجال) في الدورات المستقبلية تفاديا للوقوع في أي ملابسات أو مواقف تتنافى والعرف العسكري الذي يفرض على المتطوع ذكرا كان أو أنثى التقيد بلباسه العسكري. وأوضح العميد بصبوص أن الفترة الطويلة التي فصلت ما بين موعد الامتحانات التي تقدموا إليها ونتائجها التي تأثرت بالأوضاع الأمنية في لبنان هي التي تقف وراء زواج بعضهن وارتداء الحجاب لبعضهن الآخر مما لم يسمح للمديرية بالاستغناء عن خدماتهن».

ورغم كل القسوة التي يعشن بها والتدريبات الخشنة التي يقمن بها، فإن أحلام المتطوعات بقيت زهرية تشبه كثيرا أحلام فتيات كثيرات مثلهن وتختلف فقط في التقنية التي تسودها. فتقول الرقيب المتمرن نانسي ليشع (20 عاما): «رجل أحلامي أراه أيضا آتيا على ظهر الحصان الأبيض ولكنه سيكون مكللا بنجومه العسكرية على كتفه»، وتضيف: «نحن هنا لنؤكد أن الرجل والمرأة متساويان وأن الحياة العسكرية جميلة». أما الرقيب المتمرن جيلبيرت قليعان (طالبة جامعية - إدارة أعمال) التي أصرت على حلق شعر رأسها أسوة برفقائها الرجال والمتأثرة بديمي مور بطلة الفيلم السينمائي «G I Jane»، فتقول لـ«الشرق الأوسط»: «قرار دخولي السلك العسكري أخذته عن كامل اقتناعي وبأنني قادرة على كل ما يقوم به الرجل، وأنا لست أقل منه لا شأنا ولا لياقة بدنية، والمستقبل سيكون شاهدا على ذلك». أما الرقيب المتمرن سارة غلاييني (20 عاما) فتقول: «لدي حماس كبير لحمل السلاح، وأكثر ما أحببته في الدورة هو التدرب على الرماية، فأنا هدافة من الطراز الأول»، ثم تبتسم وتقول: «أجمل عبارة أحب سماعها وترديدها أثناء التدريبات (قدم سلاحك)». أما الرقيب المتمرن ليال مخول (23 عاما) فتؤكد أنه ليس من الضرورة أن تتخلى عن أنوثتها في عملها العسكري شرط أن لا تؤثر على أدائها، وأن تطوعها أكسبها القوة والشجاعة. ولأن الصوت يلعب دورا أساسيا في الأوامر العسكرية، وهو يعتبر ناعما إلى حد ما، نسبة إلى الأصوات الذكورية من رجال السلك العسكري إجمالا، فهو بالنسبة للرقيب المتمرن سمر الصايغ (20 عاما، طالبة جامعية - ترجمة إنجليزية) لن يشكل عائقا في مهماتها، وتقول: «يجب أن يكون صوتي رصينا وذا مدى فعال يصل إلى الآخر دون أن يكون قويا صارخا، ولكني بالتأكيد سأرفعه قدر الإمكان ليكون وقعه مهيبا». أما الرقيب المتمرن نغم برو (21 عاما) فتؤكد أنها تنتظر بفارغ الصبر مهماتها على الأرض، ولا سيما التي ستتطلب منها مكافحة الإدمان على المخدرات. أما من يخالف قوانين المعهد من المتطوعات، فالعقاب يكون بانتظارهن (كالركض والقيام بحركات معدة) أو تحجز مأذونياتها أو توضع في السجن.