مقهى «ليفت بانك».. عودة إلى الأربعينات على نيل القاهرة

استوحى فكرته من أجواء منطقة وسط البلد ذات الطابع الفرنسي

المقهى صمم خصيصا ليرجع بزواره إلى أجواء «وسط البلد» القديمة.. ولكن بلمسة عصرية
TT

في عقدي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، كانت مقاهي وسط البلد هي الاختيار المفضل للطبقة الراقية في مصر، غير أن هذه الأماكن ما عادت برونق مثيلاتها من مقاهي الماضي. من هنا ولدت فكرة مقهى أو كافيه «ليفت بانك» Left Bank، أي (الضفة اليسرى) في ضاحية الزمالك بالقاهرة، وهو صمم خصيصا ليرجع بزواره إلى أجواء «وسط البلد» القديمة.. ولكن بلمسة عصرية.

عن فكرة مقهى «ليفت بانك» قال إسلام مهدي، مؤسس شركة «إيربان» لإنشاء وإدارة المطاعم لـ«الشرق الأوسط»: «جاءت فكرة (الكافيه) من رغبتنا في استعادة أجواء مقاهي القاهرة في الأربعينات والخمسينات، خاصة مقاهي وسط البلد ذات الطابع الفرنسي مثل (جروبي)، التي تتميز بالهدوء والكلاسيكية، وما كان يقتصر دورها على تقديم الطعام، بل فرضت نفسها جزءا من تاريخ طويل للفن والفكر والعمل السياسي».

عندما بدأ القائمون على المقهى، أو (الكافيه)، في اتخاذ الخطوات الفعلية لتنفيذ فكرتهم على أرض الواقع قامت ثورة «25 يناير (كانون الثاني)»، وهو ما دفعهم لاختيار تسمية «ليفت بانك»، وهنا قال مهدي موضحا: «الاسم ترجمة إنجليزية لعبارة (لا ريف غوش) La Rive Gauche الفرنسية، المشيرة إلى الضفة اليسرى لنهر السين الذي يخترق العاصمة الفرنسية باريس، وتعد هذه الضفة من النهر موطن الفنون والثقافة بعد الثورة الفرنسية. لقد اخترنا هذا الاسم لأننا نرغب في أن يكون المقهى موطن الفنون والثقافة في مصر بعد الثورة، وليس مجرد مكان لتناول الطعام فقط».

ولكن، مع أن فكرة المقهى تقوم بالأساس على استعادة أجواء منطقة وسط البلد، فإن القائمين عليه اختاروا منطقة بعيدة عنها نسبيا لتطبيق فكرتهم. وعن ذلك يشرح مهدي: «بالفعل أردنا أن يكون الكافيه متأثرا بمقاهي وسط البلد في الماضي، ولكن ليس بالضرورة أن يكون في المكان نفسه، خاصة أن وسط البلد لم تعد المنطقة الأرقى في مصر كما كانت في الماضي. وبالتالي، بحثنا عن أكثر الأماكن التي تشبه منطقة وسط البلد الآن، فوجدنا أن ضاحية الزمالك هي المكان الأنسب». ثم أضاف: «مع هذا، فإننا نخطط خلال المرحلة المقبلة لفتح فرع للكافيه بالفعل في وسط البلد، لا سيما في ضوء ما نسمعه عن وجود خطط جدية ينوي عبرها المسؤولون تطوير هذه المنطقة والنهوض بها».

تفاصيل وسط البلد تجدها حقا حاضرة في المقهى؛ فالجدران عبارة عن نماذج لمبانيها الشهيرة مثل مجمع التحرير، والبنايات الشهيرة، وبرج القاهرة، في حين أن الأرض عبارة عن خريطة لمنطقة وسط البلد وميدان التحرير، أما السقوف فمستوحاة من الهياكل الخاصة بصناعة الكباري في مصر. ثم إن وحدات الإضاءة الموجودة في المقهى تشبه الوحدات التي كانت موجودة في البيوت المصرية قديما وكلها صناعة يدوية. ومن الأشياء اللافتة أيضا ساعة كبيرة معلقة على أحد الجدران، تتميز بأن عقاربها تسير بالعكس، كما لو أن الزمان يعود إلى الوراء، في دلالة على ما يحاول «الكافيه» فعله.. أي العودة إلى أجواء الماضي الجميل.

منضدة الاجتماعات، هي الأخرى، من الأشياء اللافتة في المقهى، وعنها يقول مهدي شارحا: «الهدف الأساسي لها هو خلق حالة حوار، وأن لا يكون كل شخص جالسا بشكل منعزل عن الآخرين، فمجموعة من الأشخاص لا يعرف أحد منهم الآخر يمكن أن تجمعهم المنضدة.. ويبدأون في تجاذب أطراف الحديث والتعرف بعضهم على بعض».

حتى طريقة تقديم الأطعمة والمشروبات متأثرة بالماضي، فالمشروبات تقدم في «شفشق» صغير وبجواره كوب للعصير، والشاي يقدم في «برّاد» زجاجي أنيق لتصب منه الكمية التي ترغبها في كوب الشاي، أما بالنسبة للساندويتشات، فيتاح للزبون اختيار نوع الخبز الذي يقدم له من بين 7 أنواع من الخبز طازجة دائما.

مي أباظة، مسؤولة العلاقات العامة، حدثتنا عن النشاطات الثقافية التي يقدمها المقهى، فقالت: «في الماضي كانت كافيهات وسط البلد مكانا لمناقشة الأمور السياسية والثقافية وقراءة الكتب، وهو ما دفعنا إلى وضع مكتبة صغيرة في أحد أركان (الكافيه) تضم أحدث الكتب الموجودة في السوق. وهناك جزء من كتب المكتبة مخصص للبيع وجزء آخر للمطالعة. كذلك، فإننا وضعنا أيضا أقلاما وألوانا لمن يرغب في ممارسة هواية الرسم. ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، فكل يوم اثنين هناك حدث ثقافي يجري الإعلان عنه من خلال صفحة الـ(Left Bank) على موقعي (فيس بوك) و(تويتر)، مثل حفلات توقيع الكتب، والندوات المتنوعة، وعروض الأزياء، بالإضافة إلى الحفلات الموسيقية، ودروس تعليم تنسيق الزهور وتعليم مختلف الفنون». وبالمناسبة، فإن من أكثر ما يميز مقهى «ليفت بانك» دروس الطهو التي تقدم أيام الثلاثاء من كل أسبوع، والتي يتولى فيها، الشيف بنوا (فرنسي) تعليم السيدات والرجال طريقة إعداد كثير من الأكلات والحلويات. ولم ينس القائمون على المقهى الأطفال، فخصصوا لهم «منطقة ترفيهية» في حديقة خارج المقهى، وبجانب اللعب والترفيه تقدم دروس لتعليم الأطفال بعض العلوم والفنون.

كل الخدمات التي يقدمها الـ«ليفت بانك» جعلت مرتادي المقهى يشعرون أن هذا المكان غدا أشبه ببيتهم، وليس مجرد مكان يأتون إليه للجلوس وتناول الطعام. وعن السبب، أوضحت مي أباظة: «هذا لأننا نهتم بردود فعل الزبائن ونسعى لتلبية كل طلباتهم، ولذا نجد أن كثيرا من الزبائن أصبحوا يفضلون مراجعة الدروس (المذاكرة) أو إنجاز بعض أعمالهم، بل إن البعض نقل اجتماعاته إلى داخل (الكافيه)، مستمتعين بأجوائه وبالمنظر البانورامي الرائع لنيل القاهرة».