«ميزانية رمضان».. في الأسر الغنية «مفتوحة» وفي الفقيرة «سلف ودين»

%75 منهم يستعدون لرمضان في مصر قبل حلوله بنحو شهرين أو ثلاثة

أحد محال بيع القطايف في القاهرة (إ.ب.أ)
TT

«ميزانية رمضان» لغز يواجه غالبية الأسر المصرية مع بداية تباشير الشهر الكريم، ففي الوقت الذي ينتظر فيه الناس قدوم شهر رمضان بفارغ الصبر، نجد هذه الأسر تعد العدة لتدبير نفقات الشهر الفضيل، قبل قدومه بفترات طويلة، وإعداد ميزانية 30 يوما من نفقات الفطور والسحور والحلويات والفاكهة والبلح والياميش وفانوس رمضان وبعض العزائم، إضافة إلى المصروفات العادية من فواتير تليفون وغاز وكهرباء ومياه ومواصلات ودواء وملابس، وفانوس رمضان.

ميزانية شهر رمضان، وفقا لكلام الدكتور خالد رمضان مدرس الاقتصاد بجامعة الأزهر، تختلف من بيت إلى بيت ومن أسرة إلى أسرة وفقا للمستوى الاجتماعي والبيئي وعدد أفراد كل أسرة على حدة، ففي الأسر الغنية وميسورة الحال الميزانية مفتوحة وليس لها سقف محدد، وفي الأسرة المتوسطة كل شيء مقدر بحساب، وفي الأسر الفقيرة الميزانية لا تكفي، وفي بعض الأحيان «مافيش ميزانية».

وتابع الدكتور خالد «الميزانية ترتبط أيضا بمتوسط دخل المواطن في المجتمع المصري بشكل خاص والمجتمعات العربية بشكل عام، فنجد مثلا في بلاد مثل قطر والإمارات والكويت والبحرين والسعودية وسلطنة عمان غالبية سكانها لا يعانون مشاكل اقتصادية وأزمات مالية خلال شهر رمضان لارتفاع مستوى دخل الفرد هناك بأكثر من عشرة أضعاف الدخل في مصر وبلاد أخرى كالسودان واليمن وموريتانيا». وأرجع الدكتور خالد اختلال ميزانيات الأسر في رمضان إلى غلاء الأسعار غير المبرر والذي لا يتناسب إطلاقا مع ما تحدده بعض الأسر من مصادر إنفاق خلال شهر الصيام.

ويقول محمد سيد نصر، باحث اجتماعي بالمجلس القومي للبحوث الاجتماعية «خلال زياراتنا لمئات الأسر من كل المستويات الاجتماعية والبيئية والجغرافية أيضا تبين أن 75 في المائة منهم يستعدون لرمضان قبل حلوله بنحو شهرين أو ثلاثة، فمنهم من يوفر نفقات الشهر في مكان بعيد عن مصاريف البيت العادية بما يعادل ضعف مصاريف الشهر في الأوقات العادية، فإذا كانت أسرة مكونة من خمسة أفراد تنفق في الأشهر العادية قرابة 1500 جنيه نجدها توفر 3 آلاف جنيه لنفقات شهر رمضان وهي نفقات متضمنة شراء احتياجات العيد، ووجدنا كذلك بعض الأسر وهم يشكلون قرابة 3 في المائة يلجأون للدخول في جمعيات وقبضها قبل رمضان. وهناك نوع ثالث يلجأ للاقتراض والسداد بعد شهر الصيام على دفعات، ونوع رابع وغالبيتهم يسكنون في المقابر والعشش وبعض التجمعات في المناطق العشوائية يعتمدون بشكل كبير على (شنط) رمضان التي تأتيهم من أكثر من جهة بخلاف اللحوم التي يتم توزيعها بالطريقة نفسها من أصحاب الأعمال والمقتدرين ماليا. ونوع خامس تبين أنه يلجأ لموائد رمضان لعدم القدرة على الإنفاق في رمضان. ويعد المنتمون للنوعين الرابع والخامس هم الأكثر معاناة في مواجهة احتياجات رمضان وفشلهم في تحديد ميزانية لهذا الشهر لضعف دخول رب البيت فيها، كما تبين أن 25 في المائة من الأسر لا تعاني أزمات مالية في رمضان والميزانية عندها في هذا الشهر مفتوحة».

ومن جهتها، التقت «الشرق الأوسط» ثلاثة نماذج من أسر مصرية للوقوف على حجم مصاريف البيت في شهر رمضان.. وكانت الأسرة الأولى: عبد الرحيم مصطفى (40 سنة) مقيم في عشش رملة بولاق أمام كورنيش روض الفرج، ومتزوج وعنده 4 أبناء، ويعمل «أرزقي» يوما بيوم. يقول عبد الرحيم «بالطبع أعاني كثيرا في رمضان، وأجد صعوبة في توفير احتياجات الشهر، ومن ثم لا توجد عندي ميزانية في رمضان، ونحن نعيش اليوم بيومه، فلو ربنا أكرمني بشغلانة عند أحد في حمل الطوب أو تكسير جدار شقة يقوم أصحابها بتجديدها أو عتال حديد بالسبتية، إذن الظروف تصبح جيدة خلال اليومين أو الأيام الثلاثة التالية، ونشتري (فرخة) تكفينا ليومين أو نصف كيلو لحمة مع قليل من الأرز والبطاطس المقلية، ويمر اليوم عاديا، ونشتري بجنيه أو جنيهين شراب العرقسوس، لكن في حال عدم وجود شغل تضطر الزوجة لطبخ باذنجان مقلي وبطاطس ومكرونة ومخلل والحمد لله». ويضيف «في بعض الأحيان يكرمنا الله بشنطة أو اثنتين في رمضان فيهما سكر وشاي وأرز ومكرونة وصلصة وكيس بلح صغير وزجاجة زيت كيلو واحد، ويوم وراء يوم يمر رمضان.. وربنا بيسترها».

الأسرة الثانية: أحمد عبد الحليم (38 سنة)، متزوج وعنده طفلتان ويقيم في شبرا الخيمة، ويعمل فرد أمن في أحد المصانع بمنطقة العبور.. يقول «أنا أتقاضى بالبدلات والحوافز ألف جنيه، وأعمل 12 ساعة، بخلاف المواصلات ساعة ونصف الساعة للذهاب للعمل ومثلها في المجيء للبيت، وبالتالي صعب علي أن أعمل في شغل آخر إضافي لتحسين الدخل وإن كنت أبحث حاليا عن عمل آخر بدلا من وظيفة الأمن». ويضيف أحمد «ميزانية شهر رمضان تمر علينا بأزمات، وفي أحيان كثيرة أقترض من أختي الكبيرة وأسدد في ما بعد، بخلاف أن زوجتي اعتادت منذ عامين الدخول في جمعية بـ(نصف نفر) خمسين جنيها، تقبضها 750 جنيها في 15 شهرا، ويكون لها دور في سد العجز بميزانية شهر رمضان». ويكمل أحمد «لا أستطيع أن أعزم إخوتي أو أهل زوجتي في رمضان بسبب قلة الفلوس رغم أنهم يقومون باستضافتنا على الإفطار في بعض أيام رمضان».

الأسرة الثالثة: مصطفى أحمد (52 سنة)، يقيم بمنطقة أبو وافية بالقاهرة، موظف حكومي ويتقاضى 1200 جنيه، وتعمل زوجته بالتربية والتعليم، وتتقاضى 750 جنيها، ولديهما ابنة (15 سنة) وطفل (12 سنة). يقول «إن الدخل العام ثابت ولا يتغير في رمضان عن غير رمضان وهو قرابة الـ2000 جنيه، والميزانية تكفي بالكاد ومن دون عزومات. أما مصاريف العيد من شراء ملابس وخلافه، فنحن ندبرها من نفقات البيت في الشهور التي تسبق رمضان، ولولا أننا في إجازة مدارس لواجهنا أزمة في رمضان بسبب الفلوس، وقد نضطر عندما يتزامن رمضان مع موسم الدراسة في الاقتراض أو الدخول في جمعيات».