أقدم عامل بناء بالمطرية: موائد الرحمن منحة إلهية للفقراء في رمضان

العم سامي ينتظر رزقه يوميا على الرصيف ويحلم بثياب جديدة لأولاده

العم سامي توفيق.. أقدم عامل بناء في شرق القاهرة ينتظر رزقه يوميا على الرصيف
TT

يناديه المقربون منه وأصحاب مهنته بـ«الكبير»، لأنه يعد أقدم عمال البناء في حي المطرية الشعبي، شرق القاهرة، ورغم كبر سنه، لكنه مصرّ على أن يستيقظ في السابعة صباحا يوميا حتى في رمضان للذهاب لعمله بحثا عن رزق أولاده.

على أحد أرصفة المنطقة ذات الطابع الشعبي، وتحت بقعة ظل مناوئة لحرارة الجو، يجلس العم سامي توفيق (75 عاما) حاملا معداته الحادة، وهي عبارة عن «أجنة وشاكوش» في انتظار أحد الزبائن، حيث يعمل عامل بناء باليومية. لكن شهر رمضان يختلف عن بقية شهور العام بالنسبة للعم سامي، فعلى الرغم من الصيام ودرجة الحرارة المرتفعة، لكنه يخرج إلى الشارع وهو يرتدي جلبابه البسيط وعمامته الكبيرة التي تقيه من حرارة الشمس، للبحث عن لقمة العيش.

يقول العم سامي: «أنا معتاد على العمل في رمضان منذ أربعين عاما وليس هناك مواعيد منتظمة للعمل في هذا الشهر الكريم.. يوم أعمل، وأيام أظل بلا عمل»، لأن هذه المهنة حسب قوله «رزقها تقيل حبتين».

ورغم أنها مهنة شاقة تتطلب مجهودا كبيرا وعافية وافرة لهدم الحوائط والجدران في المنازل والعقارات، لكن العم سامي ما زال يستطيع أن يقدم الكثير في مهنته ويعمل لفترات طويلة، قائلا والابتسامة تعلو وجهه: «أنا فيا صحة وأقدر أهدم حائط بمفردي أفضل من شباب اليومين دول».

وتمنى العم سامي الذي التقته «الشرق الأوسط» في رمضان، أن يفطر يوما مع أسرته وأولاده في محافظة قنا (جنوب مصر)، ولو حتى في نهاية شهر الصيام، بعد أن فضل العمل في رمضان وعدم الذهاب لأسرته في أول يوم من الشهر الكريم، نظرا لضيق الرزق ولكي يأتي بملابس أولاده الأربعة الجديدة، وتكون عودته في عيد الفطر عيدين للأسرة، على حد تعبيره.

وموائد الرحمن بالنسبة للعم سامي هي المنحة الإلهية له طوال شهر رمضان، ويقول: «هي هبة من الله سبحانه، فأحلى حاجة في رمضان هي موائد الرحمن.. لأننا نجد فيها طعاما جيدا أفضل من شاندويتشات الفول والطعمية اللي هرت قلبنا»، على حد تعبيره.

ويعلق أقدم عامل بناء في شرق القاهرة على زكاة الفطر آمالا وأهمية كبرى عند العودة لأسرته في قنا نهاية شهر الصيام، ويقول بعفوية: «ربنا يحنن علينا قلوب المصريين.. وأحصل على زكاة الفطر لتساعدني في شراء ملابس زوجتي وأولادي الجديدة».

ورغم أنها مهنة شاقة وبها مخاطر كثيرة، لكن العم سامي يفضل الاستمرار فيها، قائلا: «دي مهنة أجدادي ولا أستطيع تركها، وأعلم أن كلها مخاطر وإصاباتها كثيرة، لكن لا أعرف غيرها»، وتابع: «في بعض الأحيان قد يقع علينا حائط أو سقف أثناء العمل، ونضطر لدخول المستشفى والبقاء فيها لأسابيع طويلة من دون عمل».

ورغم أن ما يتحصل عليه العم سامي من رزق لا يكفي لسد حاجته وحاجة أسرته، لكنه يقول ببساطته المعهودة: «أنا وباقي العاملين في هذه المهنة بنعيش اليوم بيومه.. اللحمة دي مش بناكلها إلا في شهر رمضان على الموائد.. وفي أحيان كتيرة بتعدي علينا أيام مش بنلاقي أكل ولا فلوس».

العم سامي يخرج كل يوم ورزقه على الله، ويقول بشكل عفوي والحزن يخيم على وجهه والدموع تكاد تتساقط منه: «بخرج يوميا ورزقي على الله.. وبزعل لما أبقى طول النهار على الرصيف دون عمل، لأن ذلك يعني أنني لن أرسل لأولادي أي نقود».

وعلى الرغم من أن فرحة عيد الفطر لها طعم خاص عند المصريين، لكن العم سامي فرحته تختلف، فهي تتوقف على حجم الأموال التي يجمعها من عمله طوال الأشهر التي تسبق العيد خاصة في رمضان، قائلا بصوت شديد: «قبل ذهابي للبلد في العيد لازم أعمل حسابي ويكون عندي فلوس معقولة.. علشان أقدر أفرح أنا وأولادي بالعيد، وناكل لقمة هنية».