بحيرة المهدية في المغرب.. حيث الطيور المهاجرة والنادرة صيفا وشتاء

هنا ذات يوم حط طائر الكروان النادر

جانب من بحيرة المهدية، إلى الشمال من العاصمة المغربية الرباط (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

قبل سنوات علقت لافتة قرب بحيرة المهدية، وهي منطقة سبخة تبعد قرابة 25 كيلومترا شمال العاصمة المغربية الرباط، تقول «مخلف إحيائي.. ممر الطيور المهاجرة». حاليا لم تعد تلك اللافتة موجودة، لكن البحيرة حافظت على أهم شيء ألا وهو أن تكون منطقة بيئية طبيعية، بل من أجمل وأهم المناطق البيئية في المغرب على الإطلاق.

قبل الدخول إلى منطقة البحيرة، التي تفصلها غابة صغيرة وكثبان من الرمال عن شاطئ المحيط الأطلسي، عبر طريق ضيق متعرج، شيد برج بلون أقرب ما يكون إلى اللون القرمزي. برج مرتفع لكن لم نجد أحدا ليقول لنا ما إذا كان «برج مراقبة» لرصد الطيور النادرة والمهاجرة التي تصل إلى بحيرة المهدية، وتعد واحدة من أهم محميات الطيور في العالم.

المغاربة يعرفون المنطقة باسم «بحيرة مهدية»، غير أن لافتة جديدة تبين للزائر أهمية المكان تقول «محمية سيدي بوغابة.. منطقة رطبة ذات أهمية عالمية.. قائمة رمسار». و«رمسار» إشارة إلى «اتفاقية رمسار» للمناطق الرطبة، وهي أقدم اتفاقية عالمية في مجال البيئة، كانت وقعت عام 1971 في مدينة رمسار الإيرانية.

بعض المختصين والهواة يأتون إلى المنطقة، وتحديدا «بحيرة سيدي بوغابة»، لمشاهدة طيور نادرة في هجراتها شمالا وجنوبا. وعادة ما تعج أشجار الغابة بالطيور في العصر، أي عند الأصيل. وأغلب هذه الطيور تبقى بضعة أيام في المنطقة ثم تواصل رحلاتها من أوروبا إلى أفريقيا وبالعكس.

يمكن الوصول إلى بحيرة المهدية - أو «سيدي بوغابة» - كما تشاءون، من الرباط أو من مدينة القنيطرة. وخلال عطلات نهاية الأسبوع يزور المنطقة كثيرون. بعضهم يأتون إلى هنا لشراء سمك طازج من «سوق السمك» في ميناء المهدية، وآخرون تكون وجهتهم شاطئ المهدية الذي يتميز برماله وهدوء أمواجه. وشريحة ثالثة تأتي إلى البحيرة أملا في مشاهدة طائر مهاجر أو آخر نادر.

منذ عام 1951 أصبحت بحيرة المهدية من المناطق الرطبة المعروفة عالميا خاصة لدى المهتمين بالعلوم البيولوجية. وفي عام 1964 صنفها «المكتب العالمي لدراسة الطيور النادرة» واحدة من أهم المناطق الرطبة في العالم من حيث جذبها الطيور المهاجرة شمالا أو جنوبا.

ولكن عام 1991 تردد اسم المنطقة على نطاق واسع. ففي ذلك العام، حدثت واقعة لم تكن في الحسبان. ذلك أنه يومها كان عدد من أعضاء «الجمعية الملكية البريطانية للعناية بالطيور» يقومون بزيارة علمية لبحيرة المهدية، كما يحدث عادة مع جمعيات وباحثين وطلاب. لكن أعضاء الجمعية البريطانية كان حظهم استثنائيا، جلب للمنطقة كذلك اهتماما استثنائيا. فخلال وجودهم قرب البحيرة وهم يلتقطون صورا للطيور الموجودة في المنطقة، كان أحدهم يتابع بمنظار مكبر (تلسكوب) بعض الطيور وهي تحط أو تحلق عند حواف البحيرة. وفجأة حط طائر بمنقار صغير وريش أبيض مع بقع بنية وسوداء.

لم يكن ذلك الطائر سوى طائر الكروان، الذي يملك صوتا من أعذب الأصوات على الإطلاق عندما يغرد. وفي وقت لاحق نسب إلى البريطاني المحظوظ الذي كان أول من شاهد «الكروان» قوله «كان الأمر بالنسبة لي مثل حلم جميل، كانت لحظة مدهشة».

في ذلك الوقت أفاد عدد من الهيئات العلمية بأن طائر الكروان في طريقه إلى الانقراض، بل إن «الجمعية الملكية البريطانية للعناية بالطيور» ذكرت أن عدد الطيور التي بقيت من الكروان لا تتعدى مائة طائر فقط، وتبين أن ثلاثة منها حطت تلك السنة قرب بحيرة المهدية. ورجح وقتها أن تكون تلك الطيور آتية من أوروبا الشمالية، ولم تكن ثمة إمكانيات، وربما وسائل في ذلك الوقت، لمتابعة هجرة ذلك الطائر النادر أو وجهته، كما حدث لاحقا مع أنواع أخرى من الطيور، كان آخرها مجموعة من طيور الوقواق (الكوكو) التي تابع علماء رحلتها من نقطة انطلاقها في مقاطعة نورفولك بجنوب شرقي إنجلترا إلى بعض دول جنوب القارة الأفريقية، وعودة ثلاثة منها مجددا في مايو (أيار) الماضي. وتم ذلك في إطار أول تجربة علمية حول هجرة طيور الوقواق من أوروبا إلى أفريقيا.

طبقا لإحصائيات رسمية مغربية، فإن هناك أزيد من ثلاثمائة نوع من الطيور النادرة تهاجر سنويا إلى منطقة بحيرة المهدية. ويبلغ طول البحيرة 6 كيلومترات، ويتراوح عرضها ما بين 100 و350 مترا، تسبح فيها طيور البجع والبط البري والنورس واللقالق، وتحيط بها الأشجار من جميع الجهات، بعضها أشجار متشابكة وأخرى شوكية، وهناك أشجار قصيرة، وأخرى باسقة في الجهة الشرقية من البحيرة، حيث يجلس عادة زوار المنطقة يتأملون الغابة والماء وحركة الطيور التي تحط وتطير، وأصواتها المتداخلة مع الرياح، مع هدير أمواج الأطلسي التي تُسمع عندما يزمجر البحر.

المتخصصون يقولون إن كثيرا من الطيور تأتي من أوروبا إلى بحيرة المهدية في الربيع لتضع بيضها ثم تعود مجددا. وبعض الطيور تقيم في المنطقة خلال الشتاء لتهاجر صيفا إلى أوروبا. زوّار البحيرة يسمح لهم فقط بالفرجة، إذ ثمة لافتة تقول بوضوح «هنا يُمنَع الصيد والسباحة». هواة التصوير يمكن أن يجدوا مشاهد أخاذة، ويلتقطوا صورا لطيور نادرة.

في بعض الأحيان، ومع حركة الطيور التلقائية قرب البحيرة، يتولد لديك شعور بأنك ابتعدت كثيرا عن المدن، أو يراودك شعور أيضا بأنك تراقب حياة بيئية تستيقظ.