الحافلات الحمراء ذات الطابقين تجوب بغداد من جديد وتعيد ذكريات العشاق

يستخدمها 700 راكب يوميا ورجال المرور ونقاط التفتيش يحاربونها

يحتفظ البغداديون بذكريات كثيرة عن تلك الحافلات التي عادت بعد قطيعة سنوات لتجدد دعوة معجبيها («الشرق الأوسط»)
TT

اتكأ الحاج أبو شاكر (65 عاما)، على حافة شباك الحافلة الحمراء الجديدة ذات الطابقين، والتي استقلها متوجها إلى محل ولده في منطقة السنك (وسط بغداد)، محاولا الاسترسال مع الموسيقى الهادئة التي تبثها الحافلة، ساحبا ستارتها البيضاء لتفتح معها أجمل ذكريات شبابه الأول، أيام كان يجتهد فيها صبيحة كل يوم ليحجز مقعدها الأخير في طابقها العلوي، وينتظر قدوم حبيبته (الطالبة الجامعية وقتذاك) في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.

الحافلات الحمراء ذات الطابقين، كانت من أهم معالم العاصمة بغداد، وهي تجوب شوارعها حتى الاجتياح الأميركي عام 2003، وكانت قد شاخت قبلها، ولم تحظ بأي أعمال صيانة حتى اختفت من الشارع نهائيا ولم تعد تستخدم بعد تخريب وسرقة معظمها وتحويرها وانتهاء عمرها الافتراضي للعمل.

ويحتفظ البغداديون بذكريات كثيرة عن تلك الحافلات التي عادت بعد قطيعة سنوات لتجدد دعوة معجبيها، خصوصا كبار السن، ممن يفضلونها على غيرها، لكنها لم تستطع منافسة بقية أنواع سيارات النقل بسبب قلة أعدادها حتى الآن.

وطرحت وزارة النقل العراقية 70 حافلة جديدة ذات طابقين مصنوعة في الأردن، إلى شوارع العاصمة، لتعمل ضمن خطوط المواصلات التابعة للحكومة، مابين جانبي الكرخ والرصافة، ويبلغ ثمن بطاقة ركوب هذه الحافلات 500 دينار عراقي (40 سنتا أميركيا) أي نصف ما يدفعه الراكب في سيارات الأجرة المتهالكة المعروفة باسم (الكيا).

وكانت الشركة العامة للنقل تمتلك في بغداد 300 حافلة بطابقين، وبعد الغزو بقيت منها 50 في الخدمة، ثم اختفت تدريجيا بسبب السرقة.

سائق الحافلة، الشاب هيثم السيد حسن قال لـ«الشرق الأوسط»: «الحافلة تحظى بإقبال الركاب ورضاهم كونها جديدة ومكيفة، وواسعة، وأفضل بكثير من سيارات النقل الخاص(الكيا) التي أتعبت ركابها طيلة الفترة الماضية بسبب صغر مقاعدها المخصصة أصلا لنقل الصغار وليس الكبار، علاوة على أعطالها الكثيرة. وأكد على حاجة بغداد إلى حافلات أكثر لتلبية الحاجة إليها، إذ يبلغ معدل مستقليها اليومي نحو 700 راكب خلال ساعات الدوام الرسمي الذي يبدأ منذ ساعات الصباح وحتى نهاية الدوام الرسمي عصر كل يوم».

وعن مميزات الحافلة الجديدة، قال: «الحافلة ممتازة، وهي تحتوي على مواصفات كثيرة منها وجود نظام مركزي للتبريد، وكاميرا أمام السائق للسيطرة على الطابقين الأسفل والأعلى، إضافة إلى جهاز كشف المتفجرات، وشاشة تلفاز ملونة، ونظام الكارتات الذي تأجل العمل به بسبب تأخر طبعها من قبل شركة نقل الركاب».

وشكا السيد حسن من مضايقات رجال المرور والشرطة الذين يعمدون لسحب السنوية عند توقفهم لصعود أو نزول مواطن.

وعن طبيعة العمل والمضايقات التي يتعرض لها خلال وجوده في الشارع، قال السائق منتصر راهي لـ«الشرق الأوسط»: لا يضايقنا سوى الزحامات المتواصلة في شوارع بغداد، والتي تعطل وصول الخط ساعات طويلة، إضافة إلى مضايقات رجال المرور والشرطة المحلية وهم يمانعون صعود أو نزول الركاب، ويحاربونا في أرزاقنا ولا نعرف السبب.

وشكا راهي من قلة الرواتب المخصصة للعاملين في الشركة، على الرغم من مضي أكثر من 8 سنوات على تعيينه فيها، واقتطاع جزء من رواتبهم مؤخرا دون بيان السبب وتساءل في حديثه: «هل هذه هي مكافأة الحافلات الجديدة؟».

أحد ركاب الحافلة واسمه عمار نعمة، طالب ويعمل ما بعد انتهاء وقت الدوام، قال: «وجود الحافلة يعني عودة الخير لشوارع بغداد، وأنا أتعمد انتظارها واللحاق بها يوميا عوضا عن سيارات النقل الخاص(الكيا) المدمرة لكن وجودها قليل حتى الآن».

وأضاف: «إن ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية، وارتفاع تكاليف النقل الخاص، تجعل ساعات انتظار الحافلة وزحام الطرق أهون بكثير على الصائمين من أي خيار آخر».

وتمنى نعمة في ختام كلامه من الركاب المحافظة عليها لأنها تعكس وجه بغداد الجميل وتقدم خدمة للفقير ممن لا يملك السيارات الفارهة.

عن ذكرياته مع الحافلة يقول الحاج مرتضى البياتي أحد قدامى جباة الحافلة الحكومية، في ثمانينات القرن الماضي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحافلة أيام زمان كانت متلزمة بالوقت والمكان، وقليلا ما كانت تتأخر عن موعدها، وكان اعتماد معظم سكنة بغداد عليها في تنقلاتهم، ونادرا ما يستقلون التاكسي لارتفاع تكاليفه مقارنة بالحافلة الحمراء».

ويواصل حديثه بالقول: «شهدت الحافلة الحمراء ولادة كثير من قصص الحب مابين الشباب والكبار أيضا، وكانت المكان المفضل للقاءاتهم وذكرياتهم وخصوماتهم أيضا، والتي كانوا يخطونها أحيانا على مقاعد الحافلة، أو يضمنونها أشعارهم المفضلة، وهي إحدى العادات السيئة التي أضرت بأثاث الحافلة الداخلي، واستدعى أحيانا وضع مراقبين سريين يندسون بين الركاب لمراقبة المخربين، وكان للأمر قصص متنوعة لم يعد لها اليوم من أثر».

ووضعت الحكومة العراقية خططا طموحة لمشاريع كبيرة مثل القطار فائق السرعة وقطارات الأنفاق (المترو) لكنها تعد مشاريع معقدة وصعبة التنفيذ أمام طغيان ملف الفساد الإداري الذي تفشى في البلاد، وأصبح شق طريق واحد يحتاج إلى عدة سنوات وعدة لجان من النزاهة لتأمين عدم التلاعب بالعقود والمواعيد وغيرها.

وسبق أن أعلنت وزارة النقل العراقية المعنية بالحافلات عن عوائق كثيرة سببت تأخير العمل بالحافلات من بينها أن معظم شوارع العاصمة غير مؤهلة لأن تسير فيها مثل هذه الحافلات فضلا عما يعرف بخطوط السحب الكهربائي في بغداد من خلال المولدات الأهلية حيث إن كثيرا من هذه الخطوط قريبة نسبيا من الأرض، وهو ما يحول دون قدرة هذه الحافلات العالية على السير في الشوارع.