في شمال لبنان.. دببة ونمور وأسود على ضفاف بحيرة بنشعي

متحف الحيوانات المحنطة.. مشروع بيئي معرفي فريد من نوعه

جناح الحيوانات المفترسة.. بينها النمور والدببة والثعالب («الشرق الأوسط»)
TT

هل تجرأت ذات يوم على أن تقف أمام الدب القطبي أو النمر السيبيري أو الجاموس الأفريقي الضخم من دون أن يعتريك القلق أو الخوف؟ لا بل هل خطر لك أن تمد يدك لملامسة أحد هذه الحيوانات التي من المرجح أنك لم تشاهدها إلا في الأفلام؟ طبعا.. لا.

ولكن هنا، في مكان خلاب من شمال لبنان، ستتاح لك الفرصة، ولن يحول دونك وملامسة هذه الحيوانات عبارة «ممنوع اللمس»؟

المكان متحف الحيوانات المحنطة في بحيرة بنشعي السياحية، بشمال لبنان. والحيوانات من مختلف الأنواع معروضة بطريقة فنية مبهرة تنتزع إعجاب كل من يسعد بزيارته. والحيوانات المحنطة في المتحف الذي يقوم عند في محمية ريفية تكاد تكون حية، فاق عددها حتى الآن 3 آلاف حيوان جمعت من كل أصقاع الأرض وقاراتها الخمس.

شربل مارون، صاحب المتحف، الذي التقته «الشرق الأوسط» على ضفاف البحيرة قال لنا: «هذا المشروع جمع معظم أنواع الحيوانات البرية والبحرية والطيور بكل فئاتها، من غابات العالم وبحاره. وهدفي منه ذو وجهين: الوجه الأول تثقيفي - بيئي يشجع على الكف عن قتل هذه الحيوانات والحرص على المحافظة على التوازن الطبيعي والبيئي، لا سيما الحيوانات المهددة بالانقراض، والوجه الثاني سياحي يتركز على تنمية السياحة في المنطقة».

مع شعور الزائر بأنه يغوص في عالم البحار، يبدأ من جناح قعر البحر الذي يحمل «الرقم واحد» بين أجنحة المتحف الخمسة، حيث تنتظر الزائر الأسماك التي حنطت بشكل فني وعصري متقن، والأصداف البحرية الموزعة إلى 1100 نوع، وعائلات كاملة منها 40 نوعا من المرجان ونجوم البحر، و45 نوعا من الأسماك، فضلا عن الأعشاب البحرية المختلفة الأحجام والأشكال. وهنا أيضا تحتل السلاحف مكانا مرموقا في المتحف، وهي مصنفة إلى 20 نوعا.

ولا يحتاج الزائر إلى دليل سياحي لكي يعرف أن الجناح الثاني هو جناح الطيور الأليفة والبرية، ومنها الباشق والنسر والعقاب والتدرج (الفيزانت/ الفيزون).. بجانب البجع والببغاوات، وطيور نادرة جميلة وزاهية الألوان.

ثم يأتي دور الحشرات التي يشبه بعضها الأحجار الكريمة، وبعضها يغير لونه حسب الشجرة التي يوجد عليها، ومن الحشرات المعروضة الجنادب والنحل وغيرها، وقد حفظت في قوالب زجاجية بطريقة تسمح بالتعرف على كل مراحل حياتها.. ثم تسبح في عالم الفراشات الباهرة بألوانها النادرة؛ فهي 110 أنواع وبعضها غالي الثمن، وتتبدل ألوانها تبعا للزاوية التي تشاهد منها.

الزواحف والبرمائيات أيضا لها مكانها البارز في المتحف، ومنها عشرات الأنواع؛ في مقدمها الأفاعي والضب والجرذان والعظايات، ثم هناك 31 نوعا من الضفادع من أصل 33 نوعا معروفا على نطاق واسع في العالم، مع عرض كامل لطريقة نموها وتطورها.

ونصل إلى الثدييات؛ وبين أبرز المعروضات هنا، في الجناح الخاص بها، الظباء من مختلف الأنواع والأحجام، وأنواع الماعز، والقردة، والقوارض واللواحم، والسناجب والقنافذ. وهنا نشير إلى أن القيمين على المتحف اختاروا تخصيص جناح آخر لعله من أجمل الأجنحة للحيوانات المفترسة، وما هو معروض منها نحو 100 من بينها النمر السيبيري والدب القطبي، واللافت منها طبعا السنوريات الكبيرة (الأسود والنمور على أنواعها) والذئاب والضباع.

خصائص كل هذه الحيوانات ومميزاتها ونمط حياتها يمكن التعرف إليها من خلال الشروح المفصلة لكل واحد منها، مع العلم بأن كل حيوان يحمل شهادة منشئه وذلك نوع من الحماية. ويشير مارون إلى أن الحيوانات المعروضة لم تتعرض للقتل أو الصيد، لأنه، كما قال، ضد هذا الأسلوب، بل اشتراها من عشرات حدائق الحيوانات في العالم. وبعد نفوق أي حيوان لسبب ما في حديقة معينة، كان يتصل بأصحابها عارضا عليهم شراء الحيوان، ومن ثم يعمد إلى تحنيطه. وأردف أنه اشترى مجموعات أخرى محنطة من داخل لبنان، لا سيما من مناطق الجنوب والبقاع، ولقد جرت عمليات التحنيط في مراكز متخصصة خارج لبنان نظرا لافتقار لبنان إلى مثل هذه المراكز.

ما يلفت أيضا أن المتحف، الذي افتتح قبل سنتين قام بمجهود فردي؛ إذ باشر مارون إعداد المجموعة وشرائها منذ أكثر من ثلاثين سنة واصلا الليل بالنهار أحيانا، في ظل غياب أي دعم رسمي أو خاص، ولكن بتشجيع من النائب الحالي والوزير السابق سليمان فرنجية، في حفل عشاء جمعهما منذ خمس سنوات.

وحسب مارون، يخضع المتحف لنظام تهوية على مدار الساعة، وتجري حماية الحيوانات المحنطة بواسطة أدوية وبإشراف أطباء بيطريين، لافتا إلى أن المشروع كلفه مبالغ طائلة؛ إذ إن بعض الحيوانات نادرة، فقد تخطى سعر بعضها التسعين ألف دولار.

في المقابل، كثيرة هي المشكلات التي اعترضت سبيل مارون في سبيل تحقيق حلمه بإنشاء هذا المتحف الفريد من نوعه في الشرق الأوسط؛ في مقدمتها المعاملات الرسمية، وقلة إقبال السياح العرب والأجانب. في هذا الصدد، يبدي مارون انزعاجه من تقصير الإعلام اللبناني في الإضاءة على المتحف.

ولكن ماذا عن جديد المتحف؟ قال مارون إن أحدث ما يضمه أفعى بطول 6 أمتار، وأسد ضخم، وهما قد ماتا في إحدى حدائق الحيوان السورية نتيجة الأحداث الأمنية. وأضاف أنه يسعى حاليا لبناء الطابق الثاني من المتحف بمساحة 700 متر ليصبح قادرا على استيعاب حيوانات أكبر حجما كالفيلة والكركدنات (الخراتيت) والزراف وغيرها.