«الكشري» يستعيد مكانته المذاقية المميزة بعد صيام رمضان

على ضفاف النيل وفي المناطق الشعبية

زحمة زبائن داخل أحد محلات الكشري في القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

ما إن يرحل شهر رمضان حتى يكون المصريون في حالة اشتياق لتناول طبق من الكشري، كونه الوجبة الشعبية الأشهر في مصر التي تغيب عن المائدة الرمضانية. ذلك أن محلات الكشري تغلق أبوابها طوال شهر رمضان، على اعتبار أنه وجبة لا تتلاءم مع الصيام لساعات طويلة عن الطعام والشراب، وبالتالي تفضيل الصائمين المأكولات الأخرى التي تتناسب مع صيامهم.

ولكن مع حلول أول أيام عيد الفطر، تفتح محلات الكشري المنتشرة في جميع المدن المصرية وضواحيها، بمختلف مستوياتها، أبوابها لمحبي هذه الوجبة. ولدى المرور أمام أي منها يمكن ملاحظة الإقبال الكثيف من قبل المواطنين الذين يتزاحمون داخل هذه المحلات، كما يقف مئات آخرون خارجها بانتظار دورهم، بينما تمتد رائحة «الدقّة» و«الصلصة» و«التقلية» إلى الشوارع والأرزقة المحيطة بالمحلات.

ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن محلات الكشري تستغلّ فترة إغلاق أبوابها خلال رمضان لإجراء تجديدات في ديكوراتها وتجهيزاتها لجذب زوارها مع قدوم عيد الفطر. وفي العادة، تجد كثرة من الأسر المصرية متعتها في تمضية عطلة العيد في اللقاءات والزيارات والذهاب إلى الحدائق، ثم اختتام الرحلة بتناول طبق من الكشري بمكوناته التقليدية، التي هي: الأرز والمعكرونة والعدس والحمص والبصل، يضاف إليها الشطة (البهار الحار) حسب رغبة كل فرد، بالإضافة إلى طبق التحلية.

ولا يقتصر تناول الكشري في العيد على فئة بعينها، بل هو محبب لمختلف الأعمار وكل المستويات التي تختار من محلات الكشري ما يناسبها. وثمة محلات بعينها تجتذب السائحين العرب والأجانب، أشهرها «كشري أبو طارق» و«كشري التحرير» و«كشري العمدة».

حسن عبد الله، شاب عشريني، التقته «الشرق الأوسط» فور خروجه من أحد محلات الكشري في منطقة وسط البلد التجارية بالقاهرة، فقال: «طبق الكشري في عيد الفطر له مذاق خاص، ومختلف كونه يأتي بعد صيام 30 يوما. وفي الغالب أذهب مع أصدقائي كل عيد فطر إلى تناول الكشري في الصباح، وقد اعتدنا ذلك منذ صغرنا، لمذاقه اللذيذ الرائع ورخص ثمنه، ثم لا بد أن نتبعه بطبق حلو من الأرز باللبن (الحليب)».

غير أن من يرغب بتناول طبق من الكشري في العيد، أو في الأيام العادية، لا يضطر إلى الذهاب إلى المحلات، بل بإمكانه تناوله من عربات الكشري المتنقلة التي تتحرك وتتموضع بشكل أكبر في المناطق الشعبية والميادين وعلى كورنيش النيل. وهنا في هذه العربات يتميز الكشري بمذاق مختلف، حينما يتناوله الزبون وهو واقف بجوار العربة، أو يبتاعه على شكل «تيك أواي» بوضعه داخل كيس بلاستيكي صغير، ثم يأكله بالضغط على الكيس.. وهذه طريقة يفضلها كثيرون، خاصة صغار السن.

كذلك تتجه عربات الكشري المتنقلة أيضا إلى داخل الحدائق والمتنزهات الخضراء، لجذب زوار هذه المناطق إليها، وتحقيق أرباح في أيام العيد خصوصا، ويعمل عليها في الغالب بعض الشباب البسطاء الذين يكون بيعهم الكشري مهنة مؤقتة تنتهي بأيام العيد. وأمام إحدى العربات قال لنا أحمد حمدي، 18 سنة، بينما كان يتناول طبقا من الكشري برفقة زملاء له على كورنيش النيل: «لقد جئت من محافظتي المنوفية (شمال القاهرة) للتنزه في العاصمة، ثم استقللنا مركبا نيليا، ومع انتهاء الرحلة شعرنا بالجوع، فما كان إلا أن توجهنا إلى أقرب عربة كشري لتناول طبق منه.. لا تزيد تكلفته على جنيهين».

ولكن بعيدا عن التجارة، فإن كثيرات من ربات البيوت يقمن في أيام العيد بطهي الكشري لأسرهن داخل المنزل، كونه خروجا محببا عن المألوف بعد وجبات دسمة اعتدن على إعدادها على المائدة الرمضانية، لا تخرج عن اللحوم والدواجن في غالب الأمر.

وبحسب الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي بكلية طب جامعة عين شمس ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسي، فإن شهرة المصريين بالروح المرحة وخفة الظل «تعود إلى اعتمادهم بشكل أساسي في الوجبات على النشويات، وخاصة الكشري.. التي تمثل الأكلة الشعبية المصرية بجانب الفلافل (الطعمية)». وتابع أن «الكشري يمثل أفضل أكلة شعبية لتحسين المزاج».