مختار عالم: نصيحة صديق دفعتني إلى عالم الخط

قادته موهبته للعمل خطاطا في مصنع كسوة الكعبة المشرفة

مختار عالم في مكتبه أثناء العمل («الشرق الأوسط»)
TT

مختار عالم، الخطّاط السعودي، قادته موهبته في حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره إلى دراسة الخط العربي.

يومذاك استطاع ذلك الصبي الذي حفظ القرآن كاملا خلال تسعة شهور أن يحقق حلم والده ويعمل خطاطا في مصنع كسوة الكعبة المشرفة، ذلك المكان الفريد من نوعه في العالم.

حكاية «عالم» - كما يشتهر اليوم - مع الخط بدأت في الواقع مع استفادته من نصيحة أسداها له أحد أصدقائه، إذ أشار إليه بأن يلتحق بالدورة الصيفية للخط العربي، وكانت تنظم في مكان قريبة من مكان «جمعية تحفيظ القرآن» داخل الحرم المكي الشريف، حيث تعلم القرآن هناك. وإلى يومنا هذا، لا يزال «عالم» يتذكّر عبارة صديقه عندما قال له «بما أنك متميز في سرعة حفظ القرآن فقد تصبح ماهرا في الخط أيضا».

في ذلك الوقت، كما روى «عالم» لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه «كانت دورة الخط العربي تتوزّع على نحو 13 حلقة دراسية، وكانت كل حلقة تستوعب نحو 20 طالبا. وفي العام التالي، وجدت نفسي وقد تجاوزت هذه المراحل بإصرار وعزيمة متناهية، ما لفت انتباه معلمي ودفعه حينذاك إلى الكلب مني أن أساعده على تعليم الطلاب ما أتعلمه، وهذا على الرغم من إدراكه أنني ما زلت في مرحلة التعليم الأولى وأعد صغيرا في السن للقيام بهذا الدور».

وأردف، «مع هذا، باءت كل محاولاتي المتكررة لكي يقبل اعتذاري عن هذه المهمة بالفشل، ومن ثم قبلت المهمة مرغما، لأنه ما كان هناك طريق آخر يقودني للتعلم غير هذه الحلقات الدراسية آنذاك».

من جهة أخرى، كشف «عالم» أن دراسته الخط العربي في البداية «لم تكن مبنية على دراسات متخصّصة في فنون الخط أو عن المشاهير من الخطاطين، بل كانت في أكثرها مرتجلة» بحسب وصفه. وأضاف «فيما بعد عرفت أنني لم أدرس الصور الكاملة والطريقة الصحيحة للحروف العربية، ولقد آلمني هذا الأمر وزاد من معاناتي لفترة طويلة» ثم استطرد بشيء من الحزن «بل ما زاد الأمر سوءا أن إحدى أهم النصائح السلبية التي درسني إياها معلّمو الخط آنذاك هي أن لا أستعين بكتب الخطاطين أو أعمال الخطاطين الأكثر ضراوة في الحرفة.. وكانت هذه النصيحة من الأخطاء الجسيمة التي أثرّت سلبا عليّ، وأخرت فترة ظهور موهبتي».

وذكر «عالم»، خلال سرده، أنه «في ذلك الحين كانت تتوافر في مكة المكرمة كتب ومراجع لمعلمين معروفين ومشهورين ولهم باع طويل في مجال الخط العربي. كما أن أسلوب التعليم الذي تلقيته في البداية، لم يعرّفني على الأمشاق، الذي هو ميزان فن الخط، كما لم يعلمني الطريقة السليمة لغمس البوص في المحبرة.. إلى آخره من أصول إتقان فنون الخط المختلفة».

ثم تابع موضحا «لقد أمضيت وقتا طويلا قبل أن أتمكن من تجاوز الأخطاء التي تعلمتها مبكرا، غير أن هذه العقبة لم تثنني عن مواصلة الجهد إلى أن التحقت بالمرحلة الثانوية، وهناك والتقيت بمعلّم مادة الرّسم آنذاك، وهو ياسين راوه - يرحمه الله - الذي لاحظ موهبتي وأخذ يشجعني كثيرا في مجالي الخطّ والرسم معا».

وعن طريق المعلم ياسين، ذكر «عالم» إنه تعرّف إلى الأستاذ محمد حسن أبو الخير - يرحمه الله - مدرّس الخط العربي في قسم التربية الفنية بجامعة أم القرى آنذاك، وأحد أعضاء لجنة مسابقة الخط الدولية في تركيا. ومنذ تلك اللحظة من أول لقاء «اختلفت الموازين وتكشّفت أمامي الكثير من الأخطاء التي تعلمتها من مدرسين سابقين.. والأهم أنني أصبحت على الطريق الصحيح»، حسب قوله.

ولقد واصل «عالم» مسيرته في تعلّم الخط عبر دراسة نماذج الخطاطيّن حافظ عثمان ومحمد شوقي، وكلاهما من تركيا، مستلهما من أعمالهما براعة الخط. كما كان يحرص على المشاركة في المعارض الدولية، ويلتقي بالخطاطين المشهورين في مكة إبان حضورهم للحج أو العمرة أو في الملتقيات الدولية. وهو اليوم يحمل على ماجستير الخط العربي من جامعة أم القرى بمكة، وثمة كثير من أعماله يقتنيها اليوم الملوك وكبار الشخصيات. كما أنه حصل على جوائز دولية متعددة من تركيا، بجانب كونه عضوا في الكثير من اللجان التحكيمية المتخصصة في الخط العربي.

ولكن ماذا عن انشغالاته الحالية؟

«عالم» منكبّ اليوم - كما اخبرنا - على كتابة مصحف «تتلاقح فيه معادلات جمالية»، إذ والف في حروفه بين الخط اليدوي التقليدي برهافة حساسيته وبين الحاسوب (الكومبيوتر) لتّشكل منظومة ذات أبعاد جمالية. وعن موقفه من خطوط الحاسوب، أجاب «.. من الصعب أن يتجاهل الخطّاط التقليدي دور الحاسوب، ثم إن هناك عدة تجارب نجحت في إدراج أنواع من الخطوط تدمج بين ما هو تقليدي وما هو رقمي، لكن هذا لا يعني أن نعزّز من شأن ما هو رقمي على حساب ما هو تقليدي». وأردف «أنا أجد أنه يستحيل مقارنة البلاغة الفكرية والجمالية التي تنطوي عليها الخطوط التقليدية بأي شيء آخر، فهي تراث وإرث حضاري نزل به القرآن الكريم وأصبح أمرا مقدسا».

وختاما، قال لنا «عالم» إنه نجح خلال عمله كخطاط في مصنع كسوة الكعبة بعمل بعض التحسينات من بينها إدخال حروف الآيات التي تجسّد كسوة الكعبة المشرفة في الحاسوب. كما أنه يقدم تصاميم وكلمات بالخط العربي لإحدى شركات العطور الشرقية في المملكة العربية السعودية.