تونس: الحر الاستثنائي فرض على كثيرين النوم في المساجد

ظاهرة غير مألوفة في بلد معتدل المناخ

داخل جامع الزيتونة في تونس العاصمة («الشرق الأوسط»)
TT

قد تكون مسألة المبيت في المساجد اتقاء للحر الشديد مألوفة جدا في البلدان ذات المناخ الحار، غير أنها ظاهرة لم تعرفها من قبل تونس، وبالأخص مدنها ذات المناخ المتوسطي المعتدل، وطبعا ما كانت لتخطر في البال.

إلا أن المناخ الحار الذي خيم على تونس، بصورة استثنائية هذا الصيف، فرض على كثيرين تمضية أجزاء طويلة من النهار، وكذلك من الليل، داخل المساجد المكيفة الهواء. وحقا، يؤكد كثرة من التونسيين أن مناخ هذا الصيف استثنائي لم يسبق له مثيل خلال العقود القليلة الماضية. الحاج محمود، والحاج محمد، والمؤذن عبد الستار، والعم سعد، من أولئك الذين أصبحت فترات وجودهم في المسجد أطول من الوقت الذي يمضونه في منازلهم، هربا من الحر الشديد.

الحاج محمود قال لـ«الشرق الأوسط»: «أنا رجل كبير في السن وعندي ضيق التنفس والحر يضايقني كثيرا، لذلك بت آتي إلى المسجد في الصباح ولا أخرج منه إلا قبيل الغروب». وأردف: «كان على الدولة أن توفر أماكن خاصة للمرضى وكبار السن من أمثالي ممن لا يتحملون الحر. ولكن هنا نحن والحمد لله نلجأ إلى المسجد الذي يخفف عنا كثيرا ما نعانيه». وعما إذا كان قد فكر في الاستعانة بمكيف هواء، قال: «لا.. لا أملك مكيفا في منزلي. لم نكن في يوم من الأيام بحاجة إلى مكيفات، إذ كان الطقس جميلا، صيفا وشتاء، ولكن في السنوات الأخيرة تغير المناخ كثيرا حتى لم نعد نطيق لا الصيف ولا الشتاء».

ومن جانبه، أوضح لنا الحاج محمد أنه يعتبر المسجد مسجده، موضحا: «هذا المسجد مبني فوق أرضي، بل وأسهمت في بنائه. ثم إنه قريب من بيتي، ووجودي هنا يعود إلى سببين؛ الأول طبعا الهروب من الحر، أما الثاني فهو تمضية الوقت في الحديث مع الحاج محمود وسي سعد وغيرهما من الأصدقاء». وتابع: «نحن هنا لا ننم ولا نثرثر في شؤون الآخرين الخاصة، لا نتحدث عن فلان وفلان، وإنما نتذكر ما مضى من الزمن الجميل ونذكر بالخير أئمة الجمعة الذين كنا نصلي خلفهم عندما كنا في سن الشباب ونحن في كامل صحتنا».

بعيدا عن هذا المسجد، وداخل المدينة أخبرنا أحد باعة «القلوب» أي المكسرات – أو «الفصفص» باللهجة الخليجية - أن المسجد القريب منه غدا هو الآخر ملاذا للفارين من الحر، وأشار إلى أن أعدادا من الناس تتوافد عليه بعد صلاة العشاء لتمضية الليل داخله.

وقال مراد، الذي يبدو في عقده الرابع من عمره: «لست وحدي كما ترى.. هناك كثيرون من الناس في هذا المسجد.. ماذا عسانا نفعل؟ الحر لا يطاق، وإمام المسجد سمح لنا بالنوم هنا مع تأكيده على احترام شروط النظافة». وأكد مراد، من ثم، فإن الذين يأتون إلى المسجد مساء يعودون إلى منازلهم بعد صلاة الفجر، شارحا: «نحن نصلي، ونبقى في المسجد إلى حين آذان الصبح (الفجر) وبعدها نغادر إلى منازلنا.. ومن ثم أعمالنا»، غير أنه، في المقابل، لم ينف بقاء بعض الناس داخل المسجد خلال فترات النهار، لا سيما من أولئك الذين لا أعمال لهم أو هم من المتقاعدين ومن كبار السن. واستطرد: «إن ثمن مكيف الهواء يصل اليوم إلى ألف دينار وأكثر، ونحن لا نستطيع توفير مثل هذا المبلغ، فالمعيشة غالية ورواتبنا بالكاد تكفي لشراء الحاجيات الأساسية.. وما دام هناك مكيفات في المساجد فالأئمة سمحوا لأمثالنا بالاستفادة منها».