مهندسون ومصممون يرممون أبنية دبي التراثية

الحجر المرجاني والصدفي والجبس والصاروج تبعث الحياة في القديم

أعمال الترميم جارية على قدم وساق في أحد أحياء دبي القديمة («الشرق الأوسط»)
TT

معاول ومطارق وأزاميل قديمة يمسك بها العمال المهرة وسط ورشة ترميم المباني التاريخية التي تصارع من أجل البقاء في وجه ناطحات السحاب المتزاحمة على أرض دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة.

هذه المباني التراثية التي تحمل تجاعيد الزمن على جدرانها، وتصر على محاكاة الإنسان عبر رموز تاريخية ودينية، بيوت منحوتة، ولكن ليست مبنية من الغرانيت أو المرمر أو الرخام.. بل من الطين وسعف النخيل والحجر المرجاني. لذلك يروي قصة صمودها في وجه الرياح والعواصف وغضب البحر في دبي الغواصون والصيادون والنوخذة.. على وقع هدير أمواج البحر.

فرق عمل ورشة الترميم جنود مجهولون بينهم مهندسون معماريون ومصممون وعمال مهرة، كلهم يعملون خلف الستار من أجل إظهار المباني التاريخية المتهالكة بمظهر جميل.

المهندس يعقوب يوسف آل علي، رئيس فريق الورشة المركزية والصيانة في إدارة التراث العمراني بدبي، قال لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه: «كانت مهمة شاقة بالنسبة لنا، إذ احتجنا لإقناع الأهالي الساكنين هناك وتعويضهم لكي يخلوا لنا تلك المنازل. ولقد دفعت الدولة نحو ملياري درهم كتعويض للبيوت التراثية الكائنة في هذا المكان».

الواقع أن اهتمام حكومة دبي بالمباني التاريخية يعود إلى أواخر الثمانينات من القرن الماضي عندما جرى حصرها وتحديدها، واستمر ذلك حتى عام 1991 عندما أنشئت وحدة لترميم المباني الأثرية، سرعان ما تطورت لتصبح قسما خاصا للمباني التاريخية عام 1994.

وأضاف المهندس آل علي «نحن الوحيدون المؤهلون لصيانة المباني التاريخية، مع الإشارة إلى أنه يوجد اليوم أكثر من 200 مبنى تراثي في إمارة دبي، نعمل على إعادة ترميمها من خلال دراسة متأنية، ويساعدنا فيها الأحفاد والأبناء الذين سكنوا في هذه البيوت أو هذه المناطق».

وتابع «إننا لا نقدم على إعادة البناء ما لم تتوافر لدينا الإثباتات اللازمة من صور ووثائق. وعملية البناء تجري بالمواد القديمة التي كانت تستخدم في حينها، ولا نأخذ المواد الجديدة بنظر الاعتبار. ويصار إلى البناء بالطرق القديمة مثل استخدام الحجر القديم، والحجر المرجاني وليس الطابوق، بل الحجر الصدفي، وكذلك بمواد مثل الجبس والخشب والصاروج والنورة».

يعقوب آل علي شرح لنا قائلا إنه «لا يجوز ترك المباني التاريخية من دون صيانة أو ترميم لفترة طويلة، لأنها سرعان ما تتأثر بعوامل الطبيعة والظروف المناخية. وبما يخصنا فإن عملنا يتركز على مراقبة 200 مبنى تراثي مرتين في العام. ولقد أنجزنا بالفعل ترميم نحو 90 مبنى خلال عام 2010». واستطرد «غير أن هذه المباني تتعرض لعوامل وظروف مناخية صعبة، أهمها تهديد الرطوبة والحشرات (الأرضة) التي تأكل السقوف. أما ملكية هذه الأماكن، فتعود إلى أربع مؤسسات هي: سياحة دبي وهيئة ثقافة دبي والأوقاف وبلدية دبي، أما المناطق التي تضمها فتتوزع على الشندغة والبستكية وديرة وحتا».

كان من الطبيعي الاهتمام بعمليات الترميم في منطقة الشندغة، لأنها من أقدم الأماكن المأهولة في دبي، وهي التي سكنتها العائلة الحاكمة ومعظم قبيلة بني ياس، وحقا شهدت اهتماما رسميا وحكوميا كبيرا، إذ بلغ عدد مباني المنطقة 226، موزعة على 62 استخداما بين المساكن والمتاجر والأسواق وغيرها.

هذا، ووضعت بلدية دبي خطة لإعادة الإنشاء وإنجاز أعمال الترميم وتأهيل المباني لتمارس فيها الحياة الطبيعية بشكل اعتيادي. وعام 1996 بوشر بأعمال المرحلة الأولى التي شملت إنهاض الممر الساحلي الواقع عليه مجموعة من المباني ذات القيمة التاريخية وإعادة تأهيلها لوظائف معاصرة، منها بيت الشيخ سعيد آل مكتوم وقريتا الغوص والتراث وبيت الشيخ عبيد بن ثاني بجانب عدد من المساجد التقليدية. وفي المرحلة الثانية، منذ عام 2005، نفذت مشاريع ترميم السوق التقليدية، وأعيد إنشاء بيت الشيخ حشر آل مكتوم، إلى جانب تصميم مشروع الحديقة التراثية.

ومن ثم شملت عمليات تطوير المنطقة ترميم بيت الشيخ جمعة بن مكتوم آل مكتوم الواقع في الجزء الجنوبي الشرقي من منطقة الشندغة التراثية بجوار مسجد ابن زايد، على قطعة أرض تبلغ مساحتها 1085 مترا مربعا. ويرجع تاريخ تشييد هذا البيت إلى عام 1928.

ويقع في منتصف الجزء الشرقي من منطقة الشندغة، إلى الشمال، بيت المرحوم - بإذن الله - الشيخ سعيد آل مكتوم على قطعة أرض تبلغ مساحتها 1250 مترا مربعا، وكان المبنى قد شيد عام 1916. وبالمناسبة، أنشئت قريتا الغوص والتراث لتوسيع مساحة الخدمات الترفيهية والثقافية في هذه المنطقة التراثية.

من ناحية ثانية، تحوي الشندغة 7 مساجد تاريخية وتراثية أخضعت لورش ترميم وإعادة تأهيل مسجد الشيوخ ومسجد العتيبات ومسجد الملا ومسجد ابن زايد ومسجد المر بن حريز ومسجد حارب بن حارب وذلك لأن معظمها شيد في مطلع القرن العشرين.

أما خارج الشندغة، فكانت أهم الأماكن التي رممت وبوشر بصيانتها فهي: منطقة بر دبي والسوق الكبيرة (في بر دبي)، ومنطقة ديرة (الرأس) والسوق الكبيرة (في ديرة)، ومنطقة البستكية التاريخية، وقرية حتا التراثية. وضمن ما أنجز ترميمه أحد البيوت التراثية بأبراجه الهوائية «البراجيل» وزخارفه الجمالية، في عام 1986، ليصبح متحفا للصور والوثائق التاريخية لإمارة دبي. كذلك رمم حصن الفهيدي، الذي يعد أقدم مبنى تاريخي قائم في إمارة دبي، إذ شيد عام 1799، واستخدم مقرا لسكن الحاكم حتى عام 1896.

وباختصار شديد، يمكن القول الآن إن الأماكن المرممة في دبي باتت محورا للتنشيط السياحي، لأنها تحتوي على متاحف ومعارض وأسواق تقليدية ومساجد وغيرها.