رواج سوق عقاقير زيادة الوزن في السودان

بعد اقتناع غالبية النساء بميل الرجال إلى السمينات

الطامعات في زيادة الوزن يهجرن الصيدليات القانونية.. إلى البوتيكات العشوائية
TT

تسود في بعض أنحاء السودان نظرة اجتماعية إلى أن المرأة السمينة أكثر جاذبية عند الرجل، وبالتالي أوفر حظا في إيجاد العرسان. وفي المقابل، يستغل التجار هذا الواقع فيروّجون في محلاتهم مجموعة من الأدوية والعقاقير الطبية، التي تباع من دون «روشتة» أو إذن من طبيب، وتقبل على شرائها النساء السودانيات دون وجل في محاولة لإرضاء الزوج. وبالنسبة، لفئة من الأمهات الراغبات في تزويج بناتهن، فإنهن يشترين من هذه «العقاقير» لضمان الحصول على «عريس» يفضل عروسته «سمينة».

هذه الأدوية - التي تعرف شعبيا بأسماء على شاكلة «أبو نجمة» و«فواكه» و«تشاهد غدا» و«الخميرة» و«الصفقة» و«زعلان مالك».. و«جاري الشحن» - بعضها يفتح الشهية، والبعض الآخر يركّز الدهون في أجزاء محدّدة من الجسد، أما الفئة الثالثة منها فتحتفظ بالماء تحت الجلد فيبدو الجسم ممتلئا، بل إن منها ما يحوّل جسم المرأة إلى «هلام» من اللحم والشحم، بحسب وصف بعضهم.

في أحد أحياء العاصمة السودانية الخرطوم، حيث تغص معظم البوتيكات بإعلانات زيادة الوزن، التقت «الشرق الأوسط» بمجموعة من السيدات اللواتي عبّرن عن وجهة نظرهن تجاه هذه الظاهرة. وبادرت نجلاء الطيب، وهي طالبة جامعية، بالقول «إن متغيرات كثيرة حدثت في نظرة الرجال للمرأة، وصار تفضيل السمينة تفكيرا قديما.. ومن أرشيف جيل ستينات وسبعينات القرن الماضي. أما الرجال الأصغر سنا، فقد تجاوزوا التفكير الذي يعتبر المرأة الممتلئة هي الأجمل، وصاروا يبحثون عن عرائس رشيقات». ولفتت إلى أن الشباب اليوم يتأثر أكثر بـ«نساء الفضائيات» الرشيقات، وبالحملات الطبية التي تشجّع على الرشاقة والرياضة.

وتابعت الطيب «معظم الشباب في أسرتي يفضلون شريكة عمر رشيقة، بل ونحيفة. ثم إنهم يتذمرون من ذوات الأوزان الثقيلة والأجساد المشوهة التي فعلت فيها عقاقير السمنة ما فعلت».

وفي المقابل، حمّلت وداد طه، وهي ربة منزل، المسؤولية في انتشار تعاطي أدوية التسمين إلى بقاء النظرة القديمة التي ترى ضرورة أن تكون المرأة «سمينة» لتكون جميلة ومرغوبة. وأضافت «حين تقبل الفتاة النحيفة على الزواج، يستهجن كثيرون نحافتها، بل ويعتبرونها قبيحة لمجرد أنها غير مكتنزة، لذا تهتم بعض الأمهات بتسمين بناتهن بشتى السبل».

ورأت الشابة يسرا أن بعض النساء «يعتقدن أن وزن المرأة وحجمها يعزّزان مكانتها بين الناس، ويعطيانها شخصية قوية. وهذا ما يدفعها لتغيير شكل جسمها وزيادة وزنه لكي تزيد من ثقتها بنفسها، ومن أجل هذا فهي على استعداد لفعل أي شيء» على حد تعبيرها. لكن أمل، صديقة يسرا، لا تشاركها الرأي إذ قالت «لقد أصبح إيقاع الحياة سريعا، وصارت الرشاقة ضرورة حياتية، وارتبط الجمال بالموضة، والموضة في كل الدنيا مخصّصة للنحيفات». ومن ثم أمل «الفتيات من السعي لزيادة أوزانهن.. لأن أوزان النساء عادة ما تزيد بعد الحمل والولادة، فإذا زادت الواحدة منهن وزنها قبل الزواج، فإنها ستتحول حتما إلى كتلة لحم فيما بعد، وقد تخسر زوجها بسبب سمنتها».

إلى ذلك، يفرض الموروث الشعبي بعض سطوته على تفكير النساء والرجال، بحسب رأي خديجة حسن، التي قالت «السيدة النحيفة بين الزوجات تواجه انتقادات شديدة، بل وقد يسخرّن منها ويطلقّن عليها لقب (المعصعصة) وهي مفردة سودانية تدل على النحافة المفرطة». على صعيد آخر، لا تكتفي السودانيات هذه الأيام بالعقاقير لاكتساب الوزن، بل يغرفّن من التراث الثقافي النسوي المحلي لزيادة أوزانهن، ويتبادلن «المديدة» وهي مشروب من خلاصة الذرة محلّى بالسكر. وفي حال رفضت إحداهن شرب الكوب الضخم من «المديدة» عندما تقدّمه لها جارتها من أعلى حائط المنزل، يصنّف الرفض خذلانا لصاحبة «الهدية». وعندما التقينا عُلا، الطالبة الجامعية النحيفة جدا، فإنها أخبرتنا أن أمها وجدتها تبذلان جهدا كبيرا لإقناعها بزيادة وزنها، وفي كثير من المرات يسخرن منها، وأحيانا يقلن لها: «لن تجدي من يتزوجك.. وانتظري العنوسة».

واستطردت علا «النساء اللواتي يزدن وزنهن باستخدام العقاقير بائنات. أشكال أجسامهن تصبح غير طبيعية و(كروكية) وتخلو من لمحة جمال، لأن الدهون الناتجة عن تعاطي تلك العقاقير، لا تتوزّع بالتساوي على الجسم، فيسمن جزء على حساب الآخر».

وفي تفسير هذه «الظاهرة» قال الدكتور ياسر ميرغني، الصيدلي ورئيس جمعية حماية المستهلك، موضحا «العقاقير هذه عقاقير غير مسجلة، وتباع في بوتيكات عشوائية». وتابع ميرغني قائلا «إن تجهيلا واسعا يروّج للراغبات في زيادة الوزن، عن فعالية هذه العقاقير في تسمين بعض أجزاء الجسم دون غيرها، وهذا غير صحيح»، مبديا استهجانه لـ«تراخي السلطات الصحية في منع تداولها وحماية المستهلكين من أخطارها»، محملا المجلس القومي للصيدلة والأدوية والسموم المسؤولية كاملة.

وأضاف ميرغني «تدخل هذه العقاقير البلاد بطرق غير مشروعة، ويعدّ استخدامها (غشا) ومخالفة للإسلام وتعاليمه». وشرح حقيقة هذه العقاقير من الناحية العلمية، قائلا «إنها تعود لنوعين رئيسيين، الأول من مشتقات الكورتيزون الذي يحفظ الماء تحت الجلد، ويؤدي لكثرة التبوّل، والإصابة بداء السكّري البولي عند كثيرات من النساء بعد الولادة الأولى. والنوع الثاني عقاقير فتح شهية تنقسم بدورها إلى (مضادات الحساسية) و(مثبطات نفسية)، ومن آثارها الجانبية فتح الشهية للأكل. ومع أن أنها أقل خطورة من الكورتيزون، فإن استعمالها يعد قلة أمانة علمية».

هذا، وبسبب ضعف الرقابة، دعت ميرغني إلى مخاطبة الوجدان السوداني، والكشف للفتيات «عما يمارس من تجهيل عليهن».