تونس: «حرب أسعار» بين أصحاب المكتبات وباعة الأدوات المدرسية المقلدة

أكثر من 300 مكتبة أغلقت أبوابها ولم تتمكن من مواصلة المنافسة

إقبال على الأدوات المدرسية المعروضة بنهج الدباغين وسط العاصمة التونسية («الشرق الأوسط»)
TT

تتكدس السلع والأدوات المدرسية المختلفة الأصناف والأنواع في معظم شوارع العاصمة التونسية بما يوحي لجميع المارة بأن العودة المدرسية والجامعية قد دقت أجراسها، فتسمع الجلبة التي ترافق أصوات الباعة المتجولين الذين يصبغون كثيرا من الصفات على بضائع معظمها مقلد لا أحد يعرف مصدرها، ولكن المعادلة بين الأسعار المرتفعة التي تطرحها المكتبات في قنوات التوزيع المنظمة، والأسعار التي لا تقبل المنافسة على الأرصفة والممرات غير بعيد عن المكتبات، تجعل كثيرا من العائلات التونسية تلجأ إلى بضاعة الشارع، حتى وإن كانت من الدرجة الثانية.

وقد أثرت هذه المنافسة على أصحاب المكتبات (القطاع المنظم) فذكر بعضهم أن أكثر من 300 مكتبة قد أغلقت أبوابها خلال السنتين الأخيرتين بعد أن خسرت زبائنها، ولم تتمكن من مواصلة المنافسة مع التجارة الموازية. وفي هذا الإطار قال المنذر الشرفي (صاحب مكتبة وسط العاصمة) في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن دخله اليومي قد تقلص كثيرا فقد كان في حدود الـ2000 دينار تونسي (نحو 1400 دولار أميركي) خلال سنوات مضت، لكنه خلال السنوات الأخيرة لم يعد يتجاوز الـ200 دينار تونسي (قرابة 140 دولارا أميركيا) في اليوم.

ومن ناحيته، لاحظ نجيب الدامي (صاحب مكتبة) أنه استغنى عن خدمات 3 عمال في بداية هذه السنة، بعد أن انخفضت وتيرة العمل، ولم يعد هناك ما يكفي من المداخيل لدفع رواتبهم الشهرية. وعن المنافسة مع التجارة الموازية، قال إن مداخيله قد تراجعت إلى النصف بسبب التوريد العشوائي للأدوات المدرسية وبيعها في مختلف شوارع وأنهج العاصمة التونسية والمدن الأخرى.

وفي مثل هذه الفترة من السنة تستعيد أنهج العاصمة وشوارعها حركية غير عادية تفتح على منافسة مفتوحة بين التجارة المنظمة والتجارة الموازية التي غالبا ما تكون لها الغلبة بفعل الاحتياج وتضخم المصاريف وتعدد المناسبات العائلية.

ويواجه التجار بامتعاض أكداس المحافظ والكراسات والأقلام بأصنافها ولا يجدون حلولا مجدية للباعة المنتصبين في كل مكان، ويتصيدون مثل هذه الفرصة السنوية لتحقيق بعض الأرباح. محطة برشلونة وسط العاصمة التونسية ونهج الدباغين والأنهج القريبة منه، مثل «ساحة العملة»، وأنهج باب الخضراء وساحة «الباساج» وساحة «المنجي بالي» وسوق «بو منديل» وغيرها من المناطق أصبحت فضاء كبيرا لعرض الأدوات المدرسية بأنواعها. ولا تجد السلطات حلولا مجدية مع الباعة الموسميين فمعظمهم من الشباب العاطل عن العمل ولا أحد بإمكانه توقع ردود أفعالهم إذا منعوا من بيع الأدوات المدرسية التي يجدون فيها ملاذا وقتيا آمنا.

وتشهد المحافظ المدرسية من «الفريب» المقبل من أوروبا إقبالا مشهودا، فمعظمها قد اقتناه تجار بأثمان منخفضة من الأسواق الأوروبية الكبرى، وهم اليوم يبيعون تلك السلع بأسعار مغرية وغير قابلة للمنافسة. وتعترض المكتبات المدرسية المنظمة صعوبات كبرى في ممارسة النشاط التجاري خلال أيام العودة المدرسية بفعل التزامهم بهامش ربح حددته السلطات مثل الذي يحصل على مستوى أسعار الكتب المدرسية المسعرة. ويفضل بعض أصحاب المكتبات ربط زبائنهم سنويا بالبيع المؤجل (الكريدي كما يسميه التونسيون)، وذلك عوض تراكم البضاعة فوق أرصفة المكتبة إلى وقت غير معروف. كما أن كثيرا من العائلات التونسية تهرب من البضائع المقلدة المقبلة خاصة من المصانع الآسيوية، ويتبعون طريق المكتبات المنظمة لعلمهم بأن الفارق في الجودة بين البضاعتين لا يقبل المقارنة.

وللأسعار المعروضة تأثير كبير على إقبال العائلات فبعض المحافظ المدرسية تصل أسعارها في مكتبات عادية إلى 90 دينار تونسيا (65 دولارا أميركيا)، وتتجاوز حدود 130 دينارا تونسيا (92 دولارا أميركيا)، وهو سعر مرتفع للغاية إذا علمنا أن التعليم إجباري، وأن كل أفراد العائلة الذين في سن الدراسة غالبا ما يقتنون محافظ جديدة مطلع كل سنة دراسية. ولا تجوز المقارنة بين أسعار المكتبات وأسعار الباعة على الرصيف، فسعر المحفظة في حدود 65 دينارا تونسيا بالمكتبة (نحو 48 دولارا)، وهي لا تزيد في البضائع المقلدة عن 28 دينارا تونسيا (20 دولارا أميركيا) وهذا ما يجعل العائلات لا تبحث عن الجودة بقدر بحثها عن الأسعار المناسبة خلال هذه الفترة بالذات.

وقد تنخفض أسعار المحافظ إلى حدود 15 دينارا تونسيا فحسب (10 دولارات أميركية)، وقد تفي بالحاجة لفترة قصيرة، ولكن العائلة تفكر في إسكات أبنائها قبل الانتباه إلى جودة البضاعة المعروضة للبيع. وتبدو أسعار الأسواق الموازية بمثابة الملاذ الأخير لـ«الزوالي» (الفقير باللهجة العامية التونسية).

وفي هذا الإطار يقول الحبيب بن حسين (أب لتلميذين) إن المصاريف كثيرة خلال هذه الفترة من السنة في مقابل المداخيل، لذلك يلجأ الآباء إلى الحيلة لإعادة أبنائهم إلى مقاعد الدراسة بحلول وقتية.

وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن معظم التونسيين يدركون أن الأدوات المدرسية المقلدة لا قيمة لها من ناحية الجودة، ولكنه يقول بكل أسف: «ما باليد حيلة».

وتردد العائلات التونسية بينها وبين نفسها مثل بن حسين، أن أسعار المكتبات أضمن، ولكنها في المقابل تبدو خيالية لأصحاب المداخيل المحدودة، وأن البحث عن الثمن المناسب هو الأولوية لدى كثير من العائلات.