الحمامات... فسيفساء من المشاهد وألوان من الأطعمة

بانوراما ثقافية وتاريخية واجتماعية وسياحية تتكامل مع البحر

جانب من مدينة الحمامات.. أحد أجمل المراكز السياحية في تونس وشمال أفريقيا («الشرق الأوسط»)
TT

مدينة الحمامات تعد من أجمل المدن التونسية، إن لم تكن أجملها على الإطلاق. فهي تتمتع بخصائص فريدة لا توجد في كثير من المدن، علاوة على ميزة فريدة وهي خلوها من الاكتظاظ السكاني والعشوائيات التي تفسد مداخل مدن تونسية كثيرة.

إنها مدينة بحرية لا يزيد عدد سكانها على مائة ألف نسمة إلا قليلا، وتتمتع بحدائق غناء وطبيعة خلابة وموقع جغرافي رائع. ذلك أنها تقع بالقرب من الطريق السريع الرئيس الذي يربط العاصمة تونس بمدينة سوسة، وكذلك مدينة القيروان، ذات التراث التاريخي الإسلامي العظيم، التي لا تبعد عن سوسة سوى 70 كيلومترا. ثم إن الحمامات قريبة نسبيا من العاصمة التونسية نفسها، إذا لا يفصلهما سوى نحو 80 كيلومترا، أما من الناحية الإدارية فهي تتبع ولاية (محافظة) نابل.

لمن يزور مدينة الحمامات فإن مدخلها مبهر ينم عن شبه فردوس أرضي، وحقا ثمة من أطلق على هذه المدينة الجميلة والوادعة لقب «فردوس تونس». ومن ناحية أخرى، على الرغم من أن المدينة سياحية من الطبقة الأولى فإن حركة المرور (السير) تنساب فيها بسهولة ويسر. وإذا كانت هناك حدائق جذابة في كثير من المدن السياحية في العالم، فإن ما شيد وما يجرى تشييده في الحمامات من مساكن وفنادق (نزل) ومنتجعات يتعايش فعليا كأرخبيل وسط الحدائق الطبيعية البديعة.

بمجرد وصول الزائر إلى كورنيش الحمامات، على شاطئ البحر، لن يتمالك نفسه إلا ويتساءل عما إذا كان حقا في تونس. أحدهم قال لنا، «لكم وودت لو كانت الدنيا، كل الدنيا من جنوبها إلى شمالها ومن غربها إلى شرقها كتلك التحف المعمارية والمناظر الساحرة التي تراءت لنا في مدينة الحمامات»، وتابع: «إنها أفضل بكثير من بعض أحياء فيينا وباريس وبرلين وبودابست وإسطنبول، وكل المدن التي زرناها». ثم أردف: «إننا في حالة انبهار حقيقية وأول ما أعجبنا في مدينة الحمامات النظافة التي حرمت منها مناطق كثيرة في تونس، كما أعجبتنا سعة الطرق وجمالها والأرصفة المنتظمة. وازدادت متعتنا اليوم برؤيتنا شاطئ البحر وأمواجه الهادئة.. إنها متعة إضافية».

والواقع أن مئات من اليخوت والزوارق البحرية ترسو في ميناء الحمامات، الذي يتسع لأكثر من 700 يخت وزورق، تقصده من مختلف أنحاء العالم، غير أن ما لاحظناه أن ازدحام هذه اليخوت والزوارق لا يحجب رؤية الشاطئ بالنسبة لمرتادي عشرات المقاهي والمطاعم ذات التصاميم الرائعة والخدمات الراقية، ولا يحول دون استمتاع هواة السباحة برياضتهم البحرية المفضلة.

لقد كانت الزيارة إلى الحمامات سريعة بعض الشيء، واستقر الخيار على تناول وجبة الغداء في أحد مطاعم الشواء على الطريق السريع، واكتفينا بمشروب الفواكه الطازجة الممزوج مع «الآيس كريم»، البوظة كما يطلق عليها المشارقة. وقد يكون من نافلة القول هنا الحديث عن صيد السمك في الحمامات، ولكنه يصاد بتقنيات قد لا يعرفها البعض، فإلى جانب الصنارة والشباك يصطاد صيادو المدينة السمك أيضا.. بالأضواء. وهنا وسط فسيفساء من المشاهد.. وألوان ومذاقات من الأطعمة، لا بد من القول إن مدينة الحمامات تجسد حقا «بانوراما» ثقافية وتاريخية واجتماعية.. قد يشد انتباه الزائر، مثلنا، منظر أناس يعرضون الصقور على المارة لالتقاط صور معها، وكان هناك كثيرون ممن يستجيبون فيلتقطون صورا لهم مع الصقور. أما بالنسبة للزوار والسياح الأجانب، من غير العرب، وبالذات من الأوروبيين فهناك عنصر جذب قوي تشكله مراكز العلاج الطبيعي، وعنها أخبرنا الأهالي أنها تعالج بمياه البحر وبعضها يعالج بأنواع من الطين الطبي وهي موجودة داخل الفنادق والمصحات في المدينة، مع العلم أن عدد فنادق مدينة الحمامات يناهز اليوم الـ60 فندقا، منها «ياسمين الحمامات» الذي يتسع لأكثر من 20 ألف سرير.

من ناحية قال لنا أحد المواطنين، «لو لم يكن في مدينة الحمامات سوى جزيرة المارينا، لكان ذلك كافيا». وهذا صحيح، فهي جزيرة اصطناعية تبلغ مساحتها 20 هكتارا وسط المياه، وحسب الإحصاءات الرسمية ويوفر ميناء الحمامات مرسى لـ740 يختا وزورقا، وتقام مسابقات للزوارق في عرض البحر. كذلك توجد فيها 500 شقة إضافة لـ18 كيلومترا من المحلات التجارية و30 كيلومترا مربعا من الحدائق الغناء.

ولا تتوقف عناصر الجذب عند هذا الجانب المعاصر، ذلك أن لعشاق التراث والتاريخ ما يصبون إليه في مدينة البحر، حيث أسوار الأغالبة (القرن 9) التي أضيف إليها ورممت في عهود الصنهاجيين في القرن الثالث عشر والأتراك في القرن الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر. وعلاوة على الحصون العسكرية التي حمت المدينة من خطر موجات الغزو من شمال المتوسط، اتخذ الأهالي من أحد أسلافهم، ويعرف بـ«أبو حديد» رمزا للمقاومة ضد الغزاة.

وعودة إلى الحاضر، إذا ما أراد الزائر أن يعيش الأحلام في اليقظة فعليه زيارة «قرطاج لاند»، حيث يوجد 18 مكانا مخصصا للترفيه والألعاب، بجانب محلات بيع الملابس والتحف التذكارية والحقائب المختلفة، وكلها متسقة بشكل كبير، ويمكن المرور إليها من جهة الكورنيش بسهولة تامة.

أيضا يمكن القيام بجولة في أركان مدينة الحمامات في قطار جميل لا يحدث ضوضاء، ولا يشبه القطارات الأخرى؛ إذ إن عرباته أشبه ما تكون ببيوت التبت. بل بالقطارات التي نجدها في محلات بيع لعب الأطفال. ثم هناك عربات تجرها الخيول ذات عجلتين وأربع عجلات غاية في الجمال، تقف متراصة على جانبي الطريق كما لو كانت لوحات طبيعية متنقلة.

وقبل أن نغادر قال لنا صاحب عربة تجرها الخيول، «لم يزر مدينة الحمامات شخص أو أسرة أو مجموعة أشخاص إلا وتحسر على أنه لم يزرها من قبل.. ثم يعود إليها مرارا»، وذكر لنا أنه كسب صداقات الكثير من الزوار «حتى إنهم أصبحوا من زبائنه الدائمين».